Author

ما بعد الـ «كورونا»

|

 يجيء الكلام عن "ما بعد الكورونا الجديدة" في سياق الأمل أن تنحسر هذه الجائحة عن البشرية، وهو سياق لا يركز عليه الإعلام العالمي كثيرا لأن فكرة الخوف والتخويف راقت له، وهنا لا أشير إلى وجوب عدم الخوف الذي ربما يقرأه البعض بشكل سطحي ويربطه بالاحترازات الوقائية، بل أشير إلى الحقبة الاتصالية القصيرة والمكثفة التي نعيشها هذه الأيام.

ما بعد الـ"كورونا" مثل كثير من "المابعديات"، مكتظ بالتوقعات المتكئة على فكرة أن العالم لن يعود كما كان قبل الجائحة الجديدة، وهناك تباين في نفي هذه العودة بين أحلام الضعفاء بأن الأقوياء لن يعودوا كما كانوا، وأن "رسن" قيادة العالم سينتقل من الأيادي الغربية إلى الشرقية، وربما العكس كما يعتقد القلة، وهنا يتحدثون عن الأنظمة التي تدير العالم ومرتكزها الفكري في إشارة إلى الرأسمالية.
بين هذا وبين توقعات أن التغير سيطول الإنسان جراء الإحباط الجديد الذي أضيف إليه واهتزاز ثقته بأيقونات كثيرة، بدءا بدول وكيانات كان يراها من القوة بحيث لم يدر في خلده أن تتضعضع، وليس انتهاء بأفكار العالم الواحد "والبشرية جمعاء"، التي اهتزت من جذورها وطبقت كثير من الدول، بل المجتمعات، أبسط مبادئ الأنانية.. "نفسي نفسي"، ولا تلام كثيرا.
ما بعد الـ"كورونا"، هي "ما بعدية " جديدة تضاف إلى أخرى لم تفك طلاسمها بعد، أو على الأقل لم تتفق العقول والأدبيات عليها، مثل "ما بعد المرحلة الاستعمارية" و"ما بعد الحداثة" و"ما بعد العولمة"، والشواهد أن أغلب الناس لا يأبهون بهذه "الطوارئ" النظرية إلا حين مرور الحدث، سواء كان حربا أو وباء أو ثورات علمية وتقنية، أو كوارث طبيعية، ثم يعود إلى ممارسة الحياة، حيث تنزوي هزائمه وجراحه الفكرية في جانب بعيد من عقله الباطن لتخرج في المناسبة القادمة.
لا أحسب أن المرحلة المقبلة ستشهد تعمقا إنسانيا كثيرا أو كبيرا في التداعيات الفكرية والثقافية للجائحة، لأن الأنظار والمصائر ستتعلق بالانهيارات الاقتصادية للبعض لو حدثت، والانهيارات السياسية لبعض الأنظمة أو الأحزاب، وتداعي الأفكار التي تقوم عليها كمبادئ "زعمت" أنها تقوم عليها.
الوباء أرجع كثيرين إلى أسس العيش، الغذاء والدواء، وإلى أساس التعايش الأصلي، العائلة، وإلى ضرورات استمرار المعيشة في كرامة وقوة، الدولة القوية التي تنفذ ما تقول، وتراهن على فردها قبل خزينتها. لأن الناس في اعتزال إجباري واختياري سنحت لهم الفرص للاختلاء بعقولهم، والتأمل، ونقد "ما قبل الكورونا" بغية تمني أن ما بعدها يجب أن يكون أجمل وأفضل، فهل سيكون كذلك؟           

إنشرها