Author

قمة استثنائية بقيادة استثنائية

|

سارعت المملكة، منذ بداية أزمة وباء «كورونا» المستجد إلى التحرك على مختلف الأصعدة، لاحتواء هذا الوباء، وحماية البشرية من شروره. لم تنتظر التطورات. قفزت بحثا عن الحلول والآليات، منطلقة من مسؤولياتها الوطنية والإقليمية والعالمية. لم تترك شيئا للمصادفات، خصوصا في ساحة خطيرة نشأت بفعل «كورونا». وفي خضم تنفيذ استراتيجيتها المحلية لمواجهة هذه الجائحة، التي تصدر الأولويات بالطبع، اتخذت المملكة خطوة مهمة من واقع دورها المحوري على الساحة العالمية، ودعت إلى عقد قمة "مجموعة العشرين" الافتراضية. هذه "المجموعة" التي يعرف الجميع، أنها اتخذت زمام المبادرة الدولية منذ أكثر من عقد من الزمن، بقوتها، ومحوريتها، وبعضوية دولها الكبرى. تكفي الإشارة فقط إلى أن "العشرين" تسيطر على 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي كله.
القمة جاءت في وقتها، بينما ترأس السعودية دورتها الحالية في الوقت الحرج أيضا. وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، كان واضحا إلى أبعد الحدود، عندما شدد على أنه يجب على "مجموعة العشرين"، إرسال إشارة قوية لإعادة الثقة بالاقتصاد العالمي. فهذا الأخير تعرض لضغوط وخسائر كبيرة جدا في فترة زمنية قصيرة، نتيجة تفشي "كورونا" بصورة لم يتوقعها العالم. وإذا لم تفعل "المجموعة" ذلك، فمن بإمكانه أن يحل محلها في التعاطي مع أزمة كهذه؟ إنها كتلة محورية أخذت على عاتقها توفير ما أمكن من حماية للاقتصاد العالمي، الذي يعاني أصلا "حتى قبل كورونا" من تباطؤ شديد، ومن توتر عالمي بسبب الحروب والمعارك التجارية بين هذا الطرف وذاك.
ما كان يهم خادم الحرمين الشريفين أولا في خطابه المهم أمام القمة، حياة البشر في كل مكان. فالخسائر البشرية تسبق الخسائر الاقتصادية في الخطاب السعودي، الذي يركز على الإنسان، وصون حياته بكل الوسائل المتاحة، والعمل دون توقف لوضع حد لهذا الوباء الخطير والسريع الانتشار. قمة "مجموعة العشرين" التي عقدت بدعوة من الرياض، استثنائية، في ظرف عالمي استثنائي بكل معنى الكلمة. لم يأت تحرك السعودية من مسؤولياتها العالمية فحسب، بل من دورها العربي أيضا، باعتبارها العضو العربي في هذه المجموعة، في ظل قيادة هي اللاعب الأول فيها عربيا وإقليميا. وعلى هذا الأساس، تتحرك الرياض في جميع القضايا التي تهم المنطقة والعالم، عن طريق طرح المبادرات وتقديم المشورة اللازمة، والانخراط في الحراك الدولي عموما.
قمة "مجموعة العشرين" تمثل المنطلق الأهم دوليا حيال مواجهة "كورونا" بكل الأضرار التي تسبب فيها، التي من المرجح أن تتواصل إذا لم يعثر العالم على لقاح جديد، أو إذا فشل هذا العالم في حصر الوباء في أضيق مساحات ممكنة. من هنا، تأتي استراتيجية السعودية في تشجيع ودعم العمل لإيجاد هذا اللقاح، من منطلق إنساني وأخلاقي تجاه شعوب العالم المتضررة، بصرف النظر عن انتماءاتها وأديانها ومعتقداتها. فالسعودية ترفع دائما لواء حماية البشرية من منطلق إنساني، يستند إلى تعاليم الإسلام السامية. ما كان يهم الملك سلمان أيضا في خطابه التاريخي، ضرورة التدفق الطبيعي للسلع والخدمات، وبالأخص الإمدادات الطبية الأساسية، ما كرس الأمل الذي تطرحه المملكة كونها رئيسة للدورة الحالية لـ"مجموعة العشرين".
لا شك في أن انعقاد قمة "العشرين" سيطرح كثيرا من المبادرات، ويفعل التحرك العالمي على الصعيدين الصحي والاقتصادي، خصوصا في ظل وجود مخططات مبدئية للوصول إلى الغايات في هذا المجال الخطير، الذي يهدد بالفعل الحياة الإنسانية. إن قمة "مجموعة العشرين"، أوجدت في الواقع أهم آلية لمواجهة جائحة "كورونا"، بقوتها ووزنها وحضورها وتأثيرها في الساحة الدولية كلها.

إنشرها