Author

«كورونا» الأسوأ في الطريق

|
كاتب اقتصادي [email protected]

 «بإمكاننا إحداث تحول في مسار وباء كورونا في 12 أسبوعا»

بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا
 
لم يتجرأ أي من المسؤولين في الساحة الغربية على وضع مسار زمني لوباء "كورونا" المستجد. فهذا الوباء يمضي قدما في هذه المنطقة وتلك، ويحصد معه أرواحا ويترك الخسائر في كل القطاعات. كما أنه ما زال متسيدا المشهد العام، طالما أن العلماء حول العالم لم يتوصلوا بعد إلى عقار لهذا الوباء القاتل والسريع الانتقال. لكن رئيس الوزراء البريطاني جونسون؛ تمتع بالشجاعة للحديث عن إمكانية بدء دحر "كورونا" في غضون 12 أسبوعا. بالطبع تعرّض للهجوم على الساحة البريطانية، خصوصا من الجهات المعارضة له، فضلا عن بعض وسائل الإعلام المعروفة بوقوفها ضده في كل الحالات، حتى تلك التي تتسم بالإيجابية! فالأغلبية تتحدث عن أشهر كي تتضح الصورة دوليا، بينما يرى البعض أنه لا وقت للتطمينات، في حين أن الحقائق على الأرض تتحدث عن نفسها، بلغة سوداوية وأحيانا يائسة.
وإذا ما تابعنا المسؤولين حول العالم هذه الأيام، فيمكننا بسهولة وضع عنوان عريض لمشاركاتهم بشأن الوباء المستجد "الأسوأ لم يأت بعد". وهذه لغة واقعية إلى أبعد الحدود، ولا يمكن أن تغطى أو تغلف بتوصيفات لطيفة. وهذا "الأسوأ" يستهدف كل القطاعات والساحات والميادين. والسبب بسيط، وهو صعوبة وقف عدوانية "كورونا" حتى الآن، إلى جانب أن اللقاح المأمول لكبحه، لن يظهر على الأرجح قبل نهاية العام الحالي، إلا إذا حدث اختراق علمي، يقفز بهذا اللقاح إلى الأمام بالسرعة المطلوبة. لكن الأهم في الوقت الراهن، توفير الرعاية الصحية اللازمة لمصابين هنا وهناك، وتقليل معدلات الوفيات إلى أدنى مستوى ممكن، وتطهير مناطق بعينها انتشر فيها الوباء بصورة هائلة، أرعبت (ولا تزال) العالم دون استثناء.
المصابون بـ"كورونا" يتزايدون بشكل رهيب، ويتزايد معهم بالطبع عدد الذين قضوا بسببه. مع نهاية الشهر الجاري، تتوقع الجهات الدولية المختصة أن يصل عدد المصابين إلى نصف مليون، في حال استمرت وتيرة الانتشار على المنوال الحالي. وهذا يعني مزيدا من الخسائر البشرية، وبالطبع الخسائر الاقتصادية التي لا يمكن حصرها. لماذا؟ لأن بعضها ظهر فعلا وبعضها الآخر سيظهر حتما في مرحلة لاحقة. يضاف إلى ذلك توسع الوباء في ضربه الحراك الاقتصادي، عبر تضرر القطاع تلو الآخر. هذا الوضع دفع الحكومات إلى اللجوء لما يمكن تسميته "تأميم" بعض المؤسسات عن طريق إنقاذها، ليس بضمها إلى ملكية الحكومات؛ بل بقيام هذه الأخيرة بالإنفاق عليها. وهذه خطوة ثابتة للوصول إلى مرحلة التأميم.
في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، أقدمت كل الحكومات في الدول التي تتبع النظام الاقتصادي الحر إلى التأميم. في الواقع يمكن القول إنها أجبرت على ذلك. فإما إنقاذ البنوك والمؤسسات، خصوصا تلك التي تمثل للبلاد سمعة عالمية، وإما خسارتها إلى الأبد. وهذا ما بدأ يحدث حاليا بعد أسابيع قليلة من انتشار "كورونا". ففي غضون هذه الفترة القصيرة بلغت خسائر شركات الطيران (مثلا) 200 مليار دولار، في حين خسرت أسواق الأسهم منذ الشهر الماضي حتى الآن ما يزيد على 23 تريليون دولار! والمتوقع أن ترتفع الخسائر في كل القطاعات، بما في ذلك الضيافة والسياحة والترفيه والنقل والخدمات والرياضة إلى آخر القائمة الطويلة. هذا الوضع دفع - على سبيل المثال - الحكومة البريطانية، إلى التعهد بدفع 80 في المائة من رواتب كل العاملين في المملكة المتحدة، أو 25 ألف جنيه استرليني للموظف الواحد سنويا. هذا لم يحدث أبدا في تاريخ هذا البلد، حتى في أثناء الحروب التقليدية التي خاضتها، أو الحرب الأهلية التي شهدتها.
الأمور كلها تمضي حول العالم في هذا الاتجاه، صحيح أن هذا "الكرم" سينتقل على شكل ديون على كاهل الأجيال القادمة، إلا أنه لا مفر منه الآن، في ظل المأساة التي يصنعها الوباء. هذا العالم ماض بسرعة واضحة نحو الركود. قبل انفجار "كورونا"، كانوا يتحدثون عن تباطؤ النمو الاقتصادي، الآن اختلفت الأوضاع، فالركود وارد جدا، حتى إن البنك المركزي الأوروبي بدأ يتحدث عنه، ويدعو إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لاحتوائه في المستقبل القريب جدا. لا شك في أن إقدام البنوك المركزية على خفض معدلات الفائدة لديها في أعقاب انتشار "كورونا"، أسهم في تهدئة الوضع، لكنه لن يمنع دخول الاقتصاد في حالة الركود قبل نهاية العام الجاري. فالقطاعات التي تضررت متعددة، والتي صارت على حافية الانهيار تتزايد أيضا. وعندما لا تكون هناك أسواق طبيعية، ليست معدلات الفائدة مهمة كثيرا، حتى إن صارت في بعض الدول أقرب إلى الصفر.
على العالم الآن أن يتحضر للركود، وهو نفسه الذي خرج منه قبل أشهر فقط، بعد عشرة أعوام متوترة خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية. وعلى الدول الكبرى - على وجه الخصوص -، أن تعي أن أحدا ليس محصنا من وباء عالمي، يتطلب تكاتف الجميع من أجل دحره. إنه عدو الإنسانية.           

إنشرها