FINANCIAL TIMES

«كورونا» يترك كدمات دائمة على وجه الاقتصاد

«كورونا» يترك كدمات دائمة على وجه الاقتصاد

في نضالها لإيقاف تفشي فيروس كورونا الذي يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، سخرت البنوك المركزية "كامل قوتها" في تدخل عقب تدخل لتهدئة أسواق رأس المال.
الحكومات تتابع التطورات من كثب، معلنة مبادرات إنفاق ضخمة لحماية اقتصاداتها من حالات ركود عميق. عندما ينحسر الوباء في نهاية الأمر، سيستمر الشعور بالآثار المترتبة على هذه الإجراءات. وهذا يضيف عنصرا آخر من عدم اليقين لأولئك الذين يحاولون توقع مسار الانتعاش المرتقب للأسهم وفئات الأصول الأخرى.
في عالم تتحول فيه الدول إلى جزر وتتحول المدن إلى منازل، يخزن المستثمرون الخائفون النقود، خصوصا الدولار الأمريكي. هناك تصفية حسابات مؤلمة تحدث عبر الأسواق العالمية بعد فترة طويلة من الديون. لا توجد فئة أصول آمنة، باستثناء سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل. ومع ارتفاع أسعارها، انخفضت العوائد الضمنية على هذه السندات - التي ينظر إليها على أنها مكافئة للنقد - إلى ما دون الصفر خلال تداولات محمومة الأسبوع الماضي في أسواق الأسهم والائتمان والعملات والديون الحكومية والنفط.
الطريقة التي يمكن الاعتماد عليها عادة في تأمين المحافظ الاستثمارية، هي شراء الذهب أو السندات الحكومية طويلة الأجل التي تحقق أداء جيدا عندما تعاني الأصول ذات المخاطر العالية.
يحتاج بعض المستثمرين إلى السيولة لتغطية المبالغ المستردة من الصناديق التي يديرونها، أو لتسديد الضمانات على المراكز التي تستمر في الغرق تحت خط المياه. فضل مستثمرون آخرون تخزين السيولة في انتظار أن يتباطأ التقلب الشديد في السوق.
قوة الدولار الأمريكي تبرز حجم عملية إلغاء هذه المديونية العالمية. عبر جميع فئات الأصول، استراتيجية الخروج نشطة، والهروب من الأسواق الناشئة يبينه معهد التمويل الدولي بشكل واضح. بحسب أرقام المعهد، التدفقات الخارجة من الأسواق الناشئة منذ أواخر كانون الثاني (يناير) هي بالفعل ضعف ما كانت عليه في فترة مماثلة خلال الأزمة المالية العالمية، وأكبر بكثير من فترات أخرى مثل "نوبة غضب الانسحاب التدريجي" في 2014.
يمكن للمستثمرين الذين اعتادوا على حالات الطفرة والانهيار أن ينظروا إلى البيئة الحالية ويروا مؤشرات على فرصة شراء جيدة على المدى الطويل. حالات الانخفاض الحاد تعقبها حالات انتعاش كبيرة، لكن أحداث هذا العام مختلفة.
الآن تتسبب جائحة غير معلومة الأجل في ركود اقتصادي عميق؛ وهو ركود يغلق الباب أمام الشركات والعاملين فيها، خصوصا أولئك الذين يعملون في اقتصاد الوظائف المرنة؛ ما يسبب صعوبات لكثيرين يعتمدون بالكامل على شيكات أجورهم الأسبوعية أو الشهرية.
شبح أزمة في الملاءة بالنسبة للاقتصاد الأوسع أدى إلى دفع البنوك المركزية والحكومات إلى اتخاذ إجراءات.
جهود صانعي السياسة حاسمة في كبح الأضرار الاقتصادية، لكن هذه بيئة حيث الإحصاء الوحيد الذي يهم - بدلا من انتظار ظهور علامات على النمو في البيانات الاقتصادية - هو دليل على أن "كوفيد – 19" بلغ الذروة. عندها فقط يمكن للمستثمرين أن يبدأوا حقا في تقييم نوع الانتعاش المنتظر وما يمثل القيمة العادلة لأسعار الأصول.
يجادل ألان روسكين؛ من "دويتشه بانك"، بأن التفاؤل بحدوث انتعاش نهائي على شكل الحرف V "أقرب إلى المستحيل عندما يبدأ الاقتصاد الحقيقي الاتجاه الهابط نحو الشكل V بوتيرة هبوط تاريخية. لقد بدأنا للتو التباعد الاجتماعي ومن غير المرجح رؤية نهاية قريبة للأزمة، وهو المقياس الأساسي لتجاوز مرحلة الخطر".
الوصول إلى القاع مهمة شاقة، لكن بالنسبة للمستثمرين الذين لديهم أفق زمني طويل هناك فرصة لشراء الأصول التي عانت انخفاضا كبيرا في التصنيف، ربما على دفعات صغيرة.
يقول روب أرنوت؛ مؤسس "ريسيرش أفيلييت"، إن هؤلاء المستثمرين سيتعين عليهم الشراء في الأشهر القليلة المقبلة، لأنه "بمجرد أن يبدأ الوباء بالانحسار" ستكون اللحظة قد مرت. "ستكون نافذة الفرصة قصيرة، لكنها مجزية للغاية على المدى الطويل".
هناك تحد آخر طويل الأجل يعتمد على تقييم الشركات والاقتصادات ما بعد الوباء.
غالبا ما يزيل الركود العميق الجوانب السلبية التي ظهرت في الدورة الاقتصادية السابقة، وهذا يسهل الانتعاش السريع. ستصبح الشركات التي تنجو من الموجة المقبلة من حالات التخلف عن السداد أقوى مع تراجع المنافسة، في حين أن التغييرات المحتملة في كيفية عمل الأشخاص وتفاعلهم مع بعضهم بعضا تقدم فرصا للشركات بعد الأزمة الحالية. هذا قد ينشط دورة العمل التالية.
هناك فرصة أيضا ألا تتراجع الحكومات والبنوك المركزية عن حضورها الواضح في الأسواق والاقتصاد بمجرد أن تمر الأزمة. هناك مجال واسع للبنوك المركزية لتسييل ارتفاع كبير في الإنفاق الحكومي، بالنظر إلى حجم الأضرار الاقتصادية المحتملة التي تلوح في الأفق.
ضخ الأموال مباشرة في أيدي الناس والشركات، بدلا من البنوك كما حدث في أعقاب أزمة 2008 المالية، سيثبت بلا شك شعبيته - ولا سيما أنه يعزز الانتعاش الاقتصادي. لكن من المحتمل أيضا أن يؤدي إلى تضخم أعلى بكثير في المستقبل.
سيتكيف المستثمرون وسيعثرون على محركات السوق الصاعدة التالية، لكن يجب عليهم أيضا تجاوز تغييرات عميقة في النظام الاقتصادي والمالي. بهذا المعنى، تداعيات تفشي فيروس كورونا ستظل تلوح في أفق المشهد الاستثماري في الأعوام المقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES