Author

هل قرعت «حرب الأسعار» طبولها؟ «2»

|


عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن نتائج ومخرجات اجتماعات "أوبك+" كانت "صادمة" لكثيرين وأنا منهم، حيث إنني لم أكن مفرطا في التفاؤل وتوقعت أن روسيا لن توافق على مقترح "أوبك" بتعميق الإنتاج بواقع 1.5 مليون برميل يوميا، وتوقعت أن تنتهي المفاوضات بالاتفاق على خفض كمية إضافية تراوح بين 500 و750 ألف برميل يوميا. لكن جاءت نتائج الاجتماع مغايرة لتوقع شريحة كبيرة من المختصين والمتابعين لأسواق النفط، حيث لم توافق روسيا على مقترح تعميق خفض الإنتاج بـ1.5 مليون برميل يوميا، ما انعكس سلبا وبصورة قوية وفورية على أسعار النفط، فقد هبط سعر برميل خام برنت نحو 30 في المائة ليصل إلى أقل من 35 دولارا للبرميل، بالتزامن مع انخفاض الخام الأمريكي الذي وصل سعره إلى نحو 30 دولارا للبرميل. بناء على نتائج الاجتماع قررت السعودية تغيير "موقفها" ولا أقول "سياستها"، فسياسة السعودية البترولية واضحة جلية فمن أهم أهدافها توفير إمدادات بترولية كافية للأسواق العالمية بالتعاون مع المنتجين الآخرين من "أوبك" وخارج "أوبك" مع "تفادي" وجود فائض نفطي يهوي بالأسعار. أيضا من أهداف سياسة السعودية البترولية المحافظة على مستوى أسعار للنفط تخدم المنتجين والمستهلكين. لا يخفى على كل ذي لب أن السعودية كانت وما زالت وستبقى -بإذن الله- المصدر الأكثر موثوقية للنفط والتاريخ يشهد بذلك، وقد قدمت كثيرا من المبادرات لتحقيق أهداف سياستها التي تخدم الجميع. تغير موقف السعودية رد فعل طبيعي ومشروع للحفاظ على حصتها السوقية وحمايتها من المنافسين، فليس منطقيا أن تستمر السعودية في خفض الإنتاج، بينما تسلب روسيا جزءا من حصتها السوقية وتستفيد في الوقت ذاته من ارتفاع الأسعار! وجهت وزارة الطاقة السعودية شركة أرامكو لرفع طاقتها القصوى المستدامة إلى 13 مليون برميل يوميا، مع تقديم خصومات لعملائها في نيسان (أبريل) المقبل، وهو تغير جذري في "موقفها" ليس إعلانا لبدء حرب سعرية كما يصوره البعض بحسن أو سوء نية، وإنما رد فعل على حرب الأسعار التي أطلقت شرارتها روسيا. انخفاض أسعار النفط بصورة قوية سيؤثر سلبا بلا شك في جميع المنتجين بلا استثناء، لكن تتفاوت نسب التأثر من منتج إلى آخر، فلو أن السعودية "تضايقت" من أسعار منخفضة جدا للنفط، فإن شركات النفط الروسية ستتألم، وستئن شركات النفط الصخري الأمريكية. كمية الصادرات ولا أقول هنا "الإنتاج" وتكلفة الإنتاج هما نقطتا قوة في مصلحة السعودية، والبون شاسع بينها وبين المنافسين الآخرين. رغم غرابة الموقف الروسي برفضه مقترح "أوبك" بتعميق خفض الإنتاج، إلا أنني أتوقع عودتها خلال الأسابيع القريبة المقبلة إلى التعاون مع "أوبك" والمؤشرات والرسائل التي ترسلها موسكو تقودني إلى هذه القراءة وهذا التوقع. عودة روسيا إلى التعاون لا يصب في مصلحة "أوبك" والمنتجين المستقلين الآخرين، بل في مصلحة الجميع بما فيهم شركات النفط الروسية، التي أبدت استغرابها وصدمتها من رفض روسيا المقترح. بغض النظر عن مبررات روسيا وأهدافها والمكاسب التي تود تحقيقها بهكذا قرار، إلا أنها أصبحت تعي أن الاستمرار فيما بدأته سيضرها قبل غيرها وأنها ليست اللاعب الأكثر تأثيرا في الساحة.

إنشرها