التوازن الثلاثي
الإنسان مخلوق عجيب تتصارع فيه وعليه وحوله ثلاث قوى، هذه القوى تتجاذبه طيلة حياته مع اختلاف في درجة كل قوة حسب اختلاف مراحل العمر والظروف التي تحيط بالشخص ذكرا كان أو أنثى. اللافت في الأمر أن هذه القوى يجب أن يكون بينها توازن دقيق، إذ لو طغى جانب منها على الآخر فسينعكس ذلك مباشرة على شخصية الفرد وقدرته على التأقلم مع من حوله ومع الحياة برمتها، هذه القوى هي القوة الجسمية والعقلية والروحية، ولا نحتاج إلى إمعان نظر كثيرا لتتضح لنا أهمية التوازن الذي أشرت إليه، فقد تجد مثلا رجلا أعطى جل اهتمامه لقوته الجسدية فقط، غافلا أو متغافلا عن القوتين الأخريين العقلية والروحية، فهذا ينطبق عليه مقولة "جسم البغال وأحلام العصافير" على حين أنه لو سعى سعيا حثيثا لتطوير قدراته العقلية والروحية بالتزامن مع الجسدية لتميز ببسطة في العلم والجسم. وهذا الأمر ينسحب كذلك على من أهمل قواه الجسدية فأصبح كالهشيم تذروه الرياح غير قادر على أداء واجباته المنوطة به، أما من لم يوفق للاهتمام بالقوة الروحية فسرعان ما ينهار أمام ضغوط الحياة، ليجد نفسه تحت وطأة الأمراض النفسية وربما أقدم على الانتحار. ولو ألقينا نظرة عجلى على كيفية تنمية هذه القوى الثلاث، ونحافظ على توازنها لوجدنا أن الجسد مبدؤه الأرض، وغذاؤه من الأرض ومنتهاه إلى الأرض ومن هنا، فإن الغذاء المتوازن الغني بجميع احتياجات الجسم وبالنوم ساعات كافية وبالمحافظة على النشاط البدني نستطيع التحكم في القوة الجسدية. وبالقراءة المفيدة المستمرة والتأمل والتفكر في عظمة الله وملكوته ومخلوقاته، وتعلم أشياء جديدة يمكن تنمية القوة العقلية، ثم تأتي القوة الروحية، والروح سر لا يعلمه إلا الله وكنه حير أدهى العقول البشرية، فالروح مبدؤها من السماء ومنتهاها إلى السماء، ولذا فإن غذاءها هو الآخر من السماء، فبالروحانيات من أنواع الطاعات كالصلاة والذكر والصدقة وحب الآخرين ومساعدتهم تقوى الروح وتصبح رافدا مهما من روافد الحياة السعيدة، ومما اتفق عليه علماء النفس المتقدمون منهم والمتأخرون أن التوازن بين جوانب حياة الإنسان الجسدية والعقلية والروحية هو أمر في غاية الأهمية، إذ إنه بطغيان جانب على آخر فسيكون هناك نافذة لدخول الضعف والمشكلات ويترتب على ذلك اختلال معادلة السعادة الدنيوية والأخروية التي ينشدها كل من له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد.