المخاطر البيئية والتأثير الاقتصادي والصحي

رغم أن هناك عديدا من الأخطار البيئية التي تهدد الصحة البشرية بما في ذلك تلوث المياه وانبعاثات المواد السامة من المصانع وأراضي دفن النفايات، فإن أكبر مصدرين للقلق هما تلوث الهواء والاحترار العالمي، وكلاهما يرجع غالبا لاحتراق الوقود الأحفوري.
ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن تلوث الهواء الداخلي والخارجي مسؤولان عن وقوع سبعة ملايين حالة وفاة مبكرة سنويا، أي ثمن حالات الوفيات حول العالم.
ويسهم تلوث الهواء الخارجي، بحد ذاته، في وقوع 2.7 مليون حالة وفاة وتلوث الهواء الداخلي 3.3 مليون حالة وفاة، بينما تقع مليون حالة وفاة سنويا نتيجة مزيج من تلوث الهواء الداخلي والخارجي.
ويتسبب التلوث في الموت نتيجة استنشاق الناس جسيمات صغيرة جدا لدرجة أنها تخترق الرئة ومجرى الدم؛ ما يؤدي إلى تزايد انتشار أمراض القلب والشرايين وأمراض الجهاز التنفسي.
وتقع نسبة 90 في المائة تقريبا من وفيات تلوث الهواء الخارجي في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل ذات الكثافة السكانية العالية، ولا سيما في منطقتي غرب المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا. وتتباين تكلفة الأضرار الصحية نتيجة تلوث الهواء الخارجي بدرجة كبيرة حسب كل بلد ونوع الوقود الأحفوري الذي يتم حرقه.
وعلى سبيل المثال، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي في عام 2010، إلى أن التكاليف الصحية لاستخدام الفحم في الصين، حيث ترتفع درجة تعرض السكان لتلوث الهواء مع ضعف السيطرة على الانبعاثات، بلغت 11.70 دولار لكل جيجاجول من الطاقة أكثر من ضعف سعر الطاقة العالمي من الفحم.
في المقابل، نجد أن الأضرار في أستراليا، حيث تقل كثافة السكان وتتعرض أعداد أقل من السكان لانبعاثات الفحم، بلغت 0.80 دولار لكل جيجاجول. والفحم عموما هو أكثر مسببات تلوث الهواء لكل وحدة طاقة، يليه الديزل، بينما يتسبب الغاز الطبيعي والبنزين في أقل درجة من التلوث.
ومن المرجح أن تؤدي زيادة استخدام تكنولوجيات التحكم؛ كالتكنولوجيا المستخدمة في تنقية ثاني أكسيد الكبريت في الصحة العالمية "محطات الطاقة التي تعمل بحرق الفحم"، إلى خفض معدلات الانبعاثات من إنتاج الطاقة، ومن ثم تخفض المخاطر الصحية. غير أن هذه الفائدة تتراجع أمام تزايد الطلب على الطاقة في دول العالم النامية والنمو السكاني الحضري؛ ما يتسبب في زيادة تعرض السكان للتلوث.
وتتركز جميع حالات الوفيات تقريبا الناجمة عن تلوث الهواء الداخلي "من وقود الطهي والتدفئة" في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
ويمكن تخفيض أعداد هذه الوفيات بتشجيع استخدام الوقود الأنظف "الفحم النباتي بدلا من الحجري، مثلا"، والتكنولوجيا المتطورة "المواقد المزودة بوسائل تهوية أفضل"، وتوفير الكهرباء لمزيد من الأسر.
ويمثل احتراق الوقود الأحفوري أيضا السبب الرئيس في ارتفاع تركيز غازات الاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون، في الغلاف الجوي.
ورغم أن أهم سبب للتخفيف من آثار انبعاثات غازات الدفيئة هو درء المخاطر البالغة على كوكب الأرض؛ كالاحترار السريع، والارتفاعات الهائلة في منسوب البحار نتيجة ذوبان الطبقات الجليدية، وتحول مسار التيار الخليجي فإن تغير المناخ يمكن أن يؤثر في صحة الإنسان على المستوى المحلي بطرق مختلفة.
ووفقا لتقرير البنك الدولي على سبيل المثال، فإن الأحداث المرتبطة بالتغيرات في الأحوال الجوية؛ كالفيضانات والجفاف ودرجات الحرارة الشديدة ظلت مستمرة في اتجاهها الصعودي، وخاصة في آسيا ومنطقة الكاريبي، وهي من أهم أسباب الوفيات (من خلال المجاعات، على سبيل المثال) والخسائر الاقتصادية.
ومن المخاطر الصحية أيضا الإصابة بلفحات الحرارة البالغة، وانتشار الأمراض المعدية، وتدني مستويات الأمن الغذائي والمائي، وتفاقم تلوث الهواء. ومن أهم ما يثير القلق الأخطار الصحية الناجمة عن زيادة انتشار حالات الإسهال "التي تصيب السكان الذين يعانون ضعف نظم الصرف الصحي"، والملاريا "من هجرة البعوض في المناطق الاستوائية"، وسوء التغذية "من انخفاض مستويات المعيشة".
غير أنه يمكن التخفيف من حدة المخاطر المستقبلية من خلال تحسين الدخل ونظم الصرف الصحي والرعاية الصحية؛ وتطوير التكنولوجيا "مثل استئصال الملاريا"؛ وزيادة التكيف مع البيئة "مثل زيادة استخدام ناموسيات الأسرة للحماية من لدغ الحشرات".
اتخاذ الإجراءات يمكّن سياسات تخفيض استخدام الوقود الأحفوري من أن تحقق منافع صحية كبيرة على المستوى الداخلي وهي ليست بحاجة إلى الانتظار للتنسيق العالمي.
وينبغي تحسين نتائج الصحة البيئية في سياق استراتيجية أوسع نطاقا تشمل تسعير الكربون، والاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة والتحويلات إلى الاقتصادات النامية، والحد من الدعم لمصادر الطاقة غير الخضراء.
وهناك أهمية بالغة بصفة خاصة لدقة انعكاس التكاليف البيئية على أسعار الطاقة، الأمر الذي سيؤدي، على المستوى العالمي، إلى انخفاض قدره 63 في المائة في الوفيات المتعلقة بتلوث الهواء الخارجي نتيجة احتراق الوقود الأحفوري، وانخفاض قدره 23 في المائة في انبعاثات الكربون المتعلقة بالطاقة.
وفي الوقت نفسه، فإن الإجراءات الرامية إلى انعكاس التكاليف البيئية على أسعار الطاقة ستؤدي إلى تعبئة إيرادات جديدة بما يعادل 2.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي