FINANCIAL TIMES

مصيدة الفئران فكرة عظيمة يخشاها كل فأر

مصيدة الفئران فكرة عظيمة يخشاها كل فأر

الجميع يحب الفكرة الجيدة. لكن الأفضل حتى من ذلك هو عندما تصبح الفكرة ابتكارا ملموسا، مثلا، مصيدة فئران يمكن لأي شخص استخدامها وينبغي أن يخشاها كل فأر. لكن الحقيقة المحرجة هي أن الأفكار الجيدة، حتى في شكلها المصقول، يمكن أن تكون بطيئة في الانتشار.
التخدير والمطهرات يقدمان تباينا مفيدا. تم تطويرهما في منتصف القرن الـ19. انتشر التخدير بشكل أسرع من جنون الرقص بالطوق. أتول جواندي قال لمجلة "ذي نيويوركر": "خلال سبعة أعوام، تبنى كل مستشفى في أمريكا وبريطانيا هذا الاكتشاف الجديد".
المطهر، في المقابل، استغرق جيلا لكي ينتشر. "اللغز هو لماذا"، حسبما لاحظ الدكتور جواندي، قبل أن يقر بأنه ليس لغزا على الإطلاق. المخدر يحل مشكلة فورية: المريض يصرخ ويتلوى من الألم. المطهر يوفر حماية ضد قاتل غير مرئي، العدوى، التي يبدأ مفعولها فقط مع تأخير زمني.
لسوء الحظ، كثير من الابتكارات أشبه المطهر منها بالمخدر: فهي تحل المشكلات التي لا يمكن رؤيتها إلا من خلال عدسة إحصائية. الناس بطيئون في تبني ما لا يمكنهم رؤيته. قبل بضعة أعوام، باحثون في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانوا ينظرون في انتشار مكاسب الإنتاجية العالمية، خلصوا إلى وجود فجوة متزايدة بين الشركات المنتجة والشركات المتخلفة من حيث الإنتاجية. الثغرة كانت كبيرة - فجوة إنتاجية بمقدار خمسة أضعاف لكل عامل، حتى بعد التعديل لاحتساب الاختلافات في المعدات المتاحة للجانبين.
سواء كان الابتكار مجموعة متنوعة وقوية من البذور، أو مركبا دوائيا أكثر أمانا، أو عملية تصنيع أكثر موثوقية، الفوائد نادرا ما تكون واضحة تماما مثل السبات خلال الجراحة. الأفكار من هذا القبيل تنتشر في كثير من الأحيان ببطء شديد.
توجد أيضا عقبات أخرى أمام انتشارها. إذا شعر الناس أنهم لا يستطيعون تكييف فكرة جديدة لأغراضهم الخاصة، أو تجربتها على نطاق محدود، سيقاومونها. إحدى العقبات الرئيسية اجتماعية؛ غالبا ما يكون المبشرون بالابتكار أناس مختلفون عن الجمهور الذي يتوجهون إليه. المهندسون الزراعيون ليسوا مزارعين، ومندوبو المبيعات في شركات صناعة الأدوية ليسوا أطباء عامين، والمخترعون مختلفون عن بقيتنا.
سنقلد بكل سرور أقراننا، رغم أن ذلك لا يزال يثير مسألة من سيذهب أولا. دراسة باكرة مؤثرة لذُرة هجين في ولاية أيوا بين عامي 1926 و1941 وجدت أن عددا قليلا من المزارعين سيجرّبون البذور الجديدة بكميات صغيرة لمعرفة كيف تسير الأمور. حتى المتبنين الأوائل أخذوا الأمور بحذر، بينما راقب آخرون. المزارعون سيقلدون جيرانهم في النهاية.
من المغري أن نتجاهل الأمر ونستنتج أن هذه مجرد مشكلة صعبة. لكن ليست هناك حاجة لليأس. في أواخر العام الماضي، نشرت المجلة الطبية "بي إم جيه" دراسة جذبت انتباهي، جزئياً بسبب فريق المؤلفين متعددي التخصصات: أليكس ووكر وبن جولداكري (عالمي أوبئة)، وفيليكس بريتيس (خبير اقتصادي) وآنا باول سميث (عالمة بيانات). لكن أيضا لأن هؤلاء المؤلفين كانوا يبحثون في انتشار الابتكار بطريقة مبتكرة.
الدراسة بحثت في مدى السرعة التي تبنت بها عيادات الطب العام التابعة لخدمة الصحة الوطنية في إنجلترا، أفضل الممارسات في وصف نوعين من الأدوية. في إحدى الحالات، حبوب منع الحمل "سيرازيت"Cerazette انتهت من براءة الاختراع الخاصة بها في 2012، وكان من المفترض بشكل عام أن يوصف لصاحبات الحاجة من النساء إصدارات بديلة أرخص من الدواء، "ديسوجيستريل" Desogestrel. في حالة أخرى، تم تغيير المبادئ التوجيهية الوطنية للتوصية بمضادات حيوية مختلفة لالتهابات المسالك البولية.
خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا تنشر بيانات مجهولة الهوية، كل شهر، تصف الأدوية الموصوفة من قبل الأطباء العامين في ثمانية آلاف عيادة. إذا كان لديك وقت، يمكنك تصفح OpenPrescribing.net - منصة طورتها باول سميث والدكتور جولداكري - للبحث عن الأنماط.
وبما أن هذا يبدو عملا شاقا، دراسة "بي إم جيه" تستخدم أداة إحصائية لتحديد متى يبدو أن العيادة غيرت ممارستها السريرية، وما إذا كانت قد فعلت ذلك بسرعة أو تدريجيا، أو فجأة لكن بعد تأخير، أو لم تفعل ذلك على الإطلاق. الأنماط واضحة للعين المجردة بمجرد سحبها من كتلة البيانات: هنا عيادة تحولت بسرعة وبشكل حاد إلى دواء مكافئ أرخص. وهناك عيادة لا تقرأ البريد الإلكتروني أبدا.
ما يلفت النظر في كل هذا هو كيف أنه غير ملحوظ. سابقا، انتشار الابتكار كان يمكن دراسته فقط في بيئات صغيرة وبعناء كبير. ولكن هذا هو القرن الحادي والعشرين: خدمة الصحة الوطنية جعلت البيانات متاحة، للسماح لنا برؤية فكرة جيدة تنتشر في جميع أنحاء البلاد، أو لا تنتشر، في الوقت الفعلي تقريبا.
هذا، بالطبع، وضع غير عادي. من غير المعتاد أن تكون قادرا على جمع مثل هذه المجموعة الكبيرة من البيانات عالية الجودة، التي تبين من الذي تبنى فكرة جديدة ومن الذي لم يفعل. ومن غير المعتاد أن يكون لديك مثل هذه الابتكارات المحددة بوضوح: إما أن يصف الطبيب الدواء الجديد للمريض س أو لا يصفه. مع ذلك، القدرة على مراقبة المبادرين والمتخلفين في خدمة الصحة الوطنية ليس بالأمر الهين. يجب أن يكون الأمر واضحًا لتحفيز المتخلفين، وسؤال المبادرين كيف يفعلون ذلك.
مجموعة الدكتور جولداكري نشرت أدواتها الإحصائية. نأمل ألا تستغرق فكرة استخدامها وقتا طويلا للانتشار.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES