Author

دائما فكر في الفرصة البديلة

|

عندما تقرر أن تحتفظ بالنقد الذي لديك في حسابك المصرفي فترة من الزمن هل تعلم ما مقدار الفرص الضائعة أو البديلة لهذا القرار؟ جميعا نغفل أحد أهم المبادئ الاقتصادية عند اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية أو حتى غيرها وهو حساب تكلفة الفرصة البديلة Opportunity Cost، فما تكلفة الفرصة البديلة؟ إنها الفائدة أو العائد من الفرصة أو الفرص الأخرى التي لم يتم اختيارها، أغلبية القرارات الاستثمارية عندما تؤخذ تبنى على العائد والمخاطرة للمشروع أو الفرصة ومن ثم يتم اتخاذ القرار بـ"لا" أو "نعم"، لكن في حال الموافقة على الفرصة لا يتم النظر في العوائد من الفرص الأخرى ومقارنتها بهذه الفرصة فقد يكون استثمار المبلغ نفسه في فرصة أخرى أعلى من حيث العوائد منها.
يتم احتساب تكلفة الفرصة البديلة بكل بساطة عبر هذه المعادلة (تكلفة الفرصة البديلة = عائد الفرصة البديلة – عائد الفرصة المختارة) إذا كان الناتج موجودا فذلك يعني وجود فرصة ضائعة أو أفضل للبديلة والعكس صحيح، طبعا هذه المعادلة لا تغطي كل الحقائق أو المعلومات التي يبنى عليها القرار، فعلى سبيل المثال ينقصها حساب المخاطرة لكل استثمار، كذلك حساب كل ما هو غير كمي أو ما لا يقاس بالأرقام مثل الأمور المعنوية أو غير الحسية، مثل الرفاهية، المتعة والرغبات الشخصية وغيرها، لذلك من المهم تقييم المخاطر قبل احتساب تكلفة الفرصة البديلة، فليس من المنطقي احتساب تكلفة فرصة بديلة لعائد 18 في المائة لكن مخاطر عالية جدا بفرصة عائدها 7 في المائة وبمخاطر متدنية فقط بناء على العائد، وعلى هذا يتم القياس.
عندما نفكر في الفرصة البديلة عند أغلبية قراراتنا المالية سنكتشف وجود قرارات قد تكون غير عقلانية أو على الأقل كانت هناك فرصة لتعظيم العوائد منها، حتى على القرارات اليومية العادية، فمثلا عندما تقوم باختيار المطعم نفسه في فترة الغداء لعدة أيام فأنت فوت على نفسك فرصة تجربة مطاعم قد تكون أفضل بكثير من مطعمك وأقل تكلفة مثلا، هذا غير متعة التغيير والتجربة "مع أنها أمر نسبي طبعا". عندما تقرر تغيير هاتفك إلى جهاز جديد هناك فرصة ضائعة لاستثمار هذا المبلغ بشراء غرض آخر قد يعود بالنفع بعوائد أعلى بكثير من تغيير الهاتف إلى جهاز أحدث دون مميزات حقيقية، كذلك عندما تعرض عليك وظيفتان إحداهما براتب عشرة آلاف ريال في مدينتك نفسها والأخرى براتب 20 ألف ريال في مدينة أخرى بعيدة وصغيرة، هنا قد لا يكون العائد المادي فقط هو المحدد إذ يجد بعض الناس أن راتب 20 ألف ريال ليس كافيا ليخرج من مدينته بسبب وجود عوائد غير ملموسة لم تعادلها الفرصة الأخرى كالبقاء مع الأهل أو وجود الأصدقاء أو وجود خيارات أفضل للترفيه وغيرها لذلك لا تعد هذه الفرصة عائدا أعلى من فرصة العمل في مدينته نفسها، بينما لو كان الراتب 50 ألف ريال قد يكون العائد أعلى من البقاء في الوظيفة في المدينة نفسها وهكذا. عندما تقرر شراء كوب قهوة بـ16 ريالا بينما بالقيمة نفسها تستطيع شراء كتاب ذي فائدة كبيرة لك وشراء كوب قهوة أرخص، ما العائد من قرار قضائك ثلاث ساعات في الاستراحة يوميا؟ والعائد من استغلال هذه الساعات في أخذ دورة تدريبية تطور بها نفسك أو تقرأ فيها كتابا أو تمارس فيها الرياضة أو غيرها من الفرص الأخرى الكثيرة؟ فكر فيها. عموما حضور مفهوم تكلفة الفرصة البديلة في الذهن عند اختيار القرارات سيغير من طريقة تفكيرك ونظرتك إلى قراراتك المهمة حتى اليومية العادية التي تعملها دون التفكير في هذا المفهوم.
تبقى فكرة تطبيق هذا المبدأ مع المشاريع الحكومية والصرف. هناك مبالغ ضخمة تصرف كل عام على عدد ضخم من المشاريع والقنوات لو تمت مراجعتها بمبدأ الفرص البديلة لربما تغير بعض القرارات. لا أعلم حقيقة عن التطبيق فقد يكون مطبقا على مستوى عال حاليا، لكن إن لم يطبق فأتمنى أن يؤخذ في الحسبان مستقبلا فقد يكون العائد من الصرف على المشروع الفلاني أقل بكثير من العوائد على المشروع الآخر، والقرار لهم يجب أن يكون من جهة محايدة.
قد يكون هذا المفهوم من أهم المفاهيم التي تغير قراراتك أو تراجعها بما يحقق لك مصلحة وعائدا أعظم في حياتك وعاداتك وممارساتك اليومية، هناك وقت وجهد ومال يتم صرفه يوميا يجب أن يؤخذ في الحسبان كيف يتم صرفه وما عوائدها وما الأفضل؟ ستجد بكل تأكيد دائما أن هناك خيارا أفضل تم تجاهله لسبب أو لآخر قد يسهم في تحسين حياتك ووضعك الاجتماعي والمادي والنفسي.

إنشرها