Author

أخيرا .. «حزب الله» إرهابي عند لندن

|
كاتب اقتصادي [email protected]


"حزب الله اللبناني، إرهابي ويشكل تهديدا للدولة اللبنانية والشعب اللبناني والمنطقة برمتها"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة

تأخرت بريطانيا في اعتمادها القانون الذي يحظر نشاطات "حزب الله" اللبناني الإرهابي. كانت الحكومات البريطانية المتعاقبة مترددة في اتخاذ الخطوة الأخيرة، وهي حظر نشاطات هذه المنظمة كليا، وعدم الاكتفاء بحظر الجناح العسكري لها. وهذا التأخير معروف في السياسة البريطانية حيال كثير من القضايا المشابهة، بما في ذلك تعاطي هذه الحكومات مع مسألة حظر نشاطات جماعة "الإخوان المسلمين" على أراضيها. وتستند لندن، ومعها عدد من العواصم الأوروبية الرئيسة في سياستها هذه إلى مفهوم قديم يرقى إلى مستوى البؤس، وهو أنه لا بد أن تكون هناك خطوط اتصال مع المنظمات أو الجماعات ذات الصلة، وبالتالي لا يمكن حظرها كليا. ومن هنا نشأ ما أصبح يعرف بـ"الحظر الجزئي"، أي فصل الأجنحة العسكرية لهذه الجماعات عن السياسية ومنعها، وقبول عمل الأخيرة!
في كل الأحوال، يعاني الموقف الأوروبي حيال "حزب الله" الإرهابي ارتباكا شديدا. فالحجة الأوروبية - البريطانية كانت أن هذا الحزب الموالي لنظام علي خامنئي في إيران وليس لبلاده لبنان، يشترك في حكومة هذا البلد، وبالتالي علينا التعامل معه، على الرغم من كل النشاطات الإرهابية التي يقوم بها في هذا البلد أو ذاك، بما في ذلك على الساحة الأوروبية نفسها. الآن انفصلت بريطانيا في موقفها عن الجانب الأوروبي، وكأنها تعزز خروجها من الاتحاد الأوروبي قبل حدوثه رسميا، وقررت لندن في مطلع العام الماضي وضع كل أجنحة "حزب الله" ضمن قوائم الإرهاب، أو القوائم السوداء، وبدأت التنفيذ في بداية العام الحالي. لكن مهلا، كيف تم ذلك والحزب نفسه لا يزال في جزء من الحكومة اللبنانية؟ لا جواب عن هذا السؤال من الحكومة البريطانية، لأنها ببساطة لا تملكه. إنها ببساطة أسقطت حجتها البائسة بقرارها الجديد.
لم يستطع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التأثير في الموقف الأوروبي حيال هذا الأمر، على الرغم من الضغوط التي مارسها طوال فترة رئاسته لبلاده على الدول المحورية في الاتحاد الأوروبي. توحش "حزب الله"، وانغماسه في أعمال إجرامية وصلت إلى حد التغيير الديموغرافي في بلد كسورية عن طريق القتل والتهجير والتصفية، ومواصلته السعي إلى تدمير مجتمعات بأكملها في هذا البلد أو ذاك "لبنان، العراق، اليمن"، وإخلاص الحزب وزعيمه الإرهابي حسن نصر الله لمصدر رزقه في طهران، فضلا عن عملياته في صناعة وتهريب المخدرات، وتبييض الأموال، والاتجار بالبشر، إلى آخر أعمال الخراب، كل هذا وضع بريطانيا تحت ضغوط داخلية، أدت في النهاية إلى قرارها الأخير حياله. فالحجج البائسة لم تعد مقنعة حتى لمطلقيها.
والأمر نفسه بات ينطبق بصورة أو بأخرى على الساحة الأوروبية نفسها. فـ"حزب الله" ليس إرهابيا فحسب، بل يهدد كيان الدولة اللبنانية نفسها التي تسعى أوروبا إلى المحافظة عليها، إلى جانب "" تهديده المستمر لمنطقة الشرق الأوسط برمتها. في عام 2013 أدرج الاتحاد الأوروبي "حزب الله" على قائمته الخاصة بالإرهاب، لكن هذا الإدراج لم يشمل سوى الجناح العسكري. وكان السبب المباشر لهذه الخطوة، العملية الإرهابية الدنيئة لهذا الحزب، بتفجير حافلة سياحية في بلغاريا عام 2012. انتظر الأوروبيون عاما كاملا تقريبا لاتخاذ هذه الخطوة المتأخرة أصلا. غير أن الضغوط في بعض الدول الأوروبية لاتخاذ خطوة أقوى تجاه «حزب الله» تصاعدت، بفعل تعاظم خرابه في المنطقة، ووجوده المتزايد الخطير في أوروبا.
في نهاية العام الماضي وبعد ستة أشهر من رفض البرلمان الألماني حظر "حزب الله" عاد ليوافق بأغلبه على هذا الحظر. بالطبع أقرت الحكومة في برلين القرار، ما جعل موقف فرنسا حرجا، ولا سيما بعد أن بدأت لندن تطبيق القرار الخاص بهذا الخصوص. وموقف باريس يستند إلى ما كانت لندن تستند إليه، أي لا مجال أمامه سوى التعامل مع هذا الحزب من الجانب السياسي. ويبدو واضحا أن الرئيس إيمانويل ماكرون لا يزال يلتزم بهذه الحجة، رغم تصاعد الضغوط المحلية أيضا عليه لتغيير موقفه. لنترك فرنسا جانبا، ففي عز الغضب الدولي من النظام الإيراني الإرهابي، حافظت على علاقة جيدة معه بل سعت إلى إنقاذه عدة مرات من خلال اتفاقات من بينها "مالية" لتخفيف ضغط العقوبات المفروضة عليه. لكن في كل الأحوال ليس مستبعدا أن يتغير هذا الموقف من "حزب الله" في الفترة المقبلة، مع حقائق الخراب الذي ينشره في الأرجاء.
خرجت بريطانيا من نطاق الحجج الواهية البائسة، وكان لا بد لها من ذلك، خصوصا في ظل وجود حكومة جديدة قوية، لا تتأثر بمقاعد برلمانية يشغلها يساريون متعصبون "من حزب العمال تحديدا"، لم يتركوا منظمة إرهابية إلا وصادقوها، ولا ديكتاتورا إلا وأقاموا معه علاقات قوية. الخطوة البريطانية مهمة، لسبب واحد فقط، وهو أن لندن هي من "اخترع" حجج الفصل بين الجانبين السياسي والعسكري للمنظمات الإرهابية.

إنشرها