Author

الإسكان وجودة الحياة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية


لا شك أن الإنجازات التي تحققت في مجال الإسكان خلال الأعوام القليلة الماضية إنجازات كبيرة، جعلت من مسألة تملك السكن لكثير من الراغبين فيه، أسهل بكثير من أعوام ماضية، ونما فيها حجم التمويل الخاص بالتمويل العقاري إلى مستويات عالية، وتتميز هذه المرحلة بأنها جعلت من القطاع الخاص شريكا في تحقيق هذه الإنجازات، ما عزز من مساهمة القطاع الخاص في التنمية الشاملة في المملكة، سواء من خلال التمويل أو التطوير العقاري، كما أن العمل شمل أيضا التركيز بصورة أكبر على جودة المنتجات، وتطوير الأدوات الخاصة بإنشاء المشاريع السكنية، إضافة إلى تغيير في شكل وتصميم الوحدات السكنية، بما يتناسب مع احتياجات الفرد ويقلل من حاجته إلى الاستئجار. والملاحظ من خلال الإحصائيات أن هناك انخفاضا في حجم الطلب على الوحدات السكنية القابلة للإيجار، ولعل أحد أهم الأسباب هو أن كثيرا من الأسر أصبح لديها فرصة أكبر لتملك السكن، كما أن نسبة من يتمكنون فاق بكثير حجم من تمكن من ذلك سابقا، حيث إن عدد من تتاح لهم الفرصة لتملك السكن أكبر من عدد الأسر السعودية الجديدة سنويا، وهذا من شأنه أن يقلص الفجوة في عدد من لم يتمكن من الحصول على السكن مستقبلا. وما زالت وزارة الإسكان لديها برامج طموحة من خلال التعاقد والمفاهمات مع مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية بغرض معالجة مسألة السكن، سواء للفئات من الموظفين والقادرين على الشراء، أو الفئات العاجزة عن التملك لمساعدتها على تخفيف معاناتها، بسبب عدم قدرتها على سداد الإيجار أو أن الإيجار يستنزف الجزء الأكبر من دخلها.
قطاع الإسكان من القطاعات المهمة لجودة الحياة وتحسين الظروف العامة للأسر في المملكة، وتيسير أمور حياتهم بما ينعكس بصورة عامة على ظروف الحياة العامة وإنتاجية الأفراد وتركيزهم على ما يدعم تحسين ظروف حياتهم، ما يؤدي إلى أن تكون هناك بيئة خصبة للابتكار والإبداع، فالمتابع اليوم لخيارات الشباب والجيل الجديد، يجد أن هناك اختلافا واضحا بين خياراتهم وخيارات آبائهم، وقد لا يكون هذا بالضرورة خيارات الجميع، إلا أن هذه الفئة أصبحت تمثل شريحة لا بأس بها في المجتمع، التي قد لا تهتم بأن تعيش في منزل كبير يتسع لعدد كبير من الساكنين، ويستوعب الضيوف من الأقارب والأصدقاء للأسرة، إضافة إلى وجود أماكن واسعة للعب الأطفال، إلا أن أنه في الوقت الحالي أصبح ميل كثير من الأسر إلى مشاركة المجتمع في كثير من هذه المساحات، حيث أصبح البعض يفضل المنزل بحجم مناسب مع وجود أماكن عامة للأطفال ومجموعة من الخدمات المشتركة في الحي، وهذا النموذج بدأ ينتشر في كثير من المدن في العالم، بحيث تسكن الأسر في وحدات سكنية صغيرة نسبيا مع وجود مساحات وفراغات أكبر تشمل الحدائق وأماكن للترفيه، إضافة إلى مواقع الخدمات الصحية والتعليمية والتجارية. وهذا يتطلب وجود كيانات عقارية كبيرة، أو وجود شراكات بين مطورين وعقاريين ومستثمرين وشركات تمويل وفاعلية أكبر لدى المؤسسات الحكومية، لتسهيل إجراءات التراخيص والتنظيم لهذه المشاريع. والحقيقة أنه توجد مبادرات في هذا الشأن، لكن لم يقدم معظمها نموذجا مكتملا.
لا شك أن هناك تحديات فيما يتعلق بالإسكان، خصوصا مع طموح للوصول بالمدن السعودية إلى مراكز متقدمة عالميا فيما يتعلق بجودة الحياة، التي لا يكون العبء فيها على قطاع الإسكان فقط، لذلك فإن بناء مناطق وأحياء جديدة نموذجية متميزة فيما يتعلق بجاذبيتها وكفاءة الخدمات فيها يتطلب عملا مشتركا بين الجهات ذات العلاقة، والتفكير في إمكانية العمل على تطوير بيئة السكن في المدن القريبة من المدن الكبيرة، لتنشيط حركة تطوير تلك المدن والاستفادة من الخدمات القائمة فيها، التي غالبا تستوعب أعدادا أكبر من الأعداد القائمة فيها حاليا، والاستفادة من تطوير نشاط النقل العام الذي ستبدأ طلائعه في مترو الرياض، الذي يمكن أن يعقبه عمل على تطوير مشاريع النقل العام في المدن الأخرى أيا كان شكل هذه المشاريع، وقد يشجع على العمل على تطوير الضواحي حول المدن، إضافة إلى نمو في المدن المحيطة وفي المدن الكبرى.
الخلاصة، أن النشاط في مجال الإسكان تطور بصورة كبيرة باتجاه تحقيق مرحلة التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، وكما قدم برنامج الإسكان تنوعا فيما يتعلق بخيارات تملك السكن في هذه المرحلة، يمكن أن يكون للإسكان مشاريع وبرامج لتطوير الأحياء السكنية بما يعزز من جودة الحياة، وكفاءة إنفاق المواطن فيما يتعلق باحتياجاته، وما يمكنه من الحصول على أفضل الخدمات بتكلفة ممكنة وميسرة له.

إنشرها