FINANCIAL TIMES

عيوب «ماكس 737» تحيل أحلام «بوينج» إلى كوابيس

عيوب «ماكس 737» تحيل أحلام «بوينج» إلى كوابيس

عيوب «ماكس 737» تحيل أحلام «بوينج» إلى كوابيس

أصبح من الصعب على الموظفين إيجاد مواقف للسيارات في مصنع بوينج في رينتون خارج سياتل، عاصمة ولاية واشنطن الأمريكية، ومقر شركة بوينج العملاقة لصناعة الطائرات.
خلال معظم العام، كانت أكبر شركة لصناعة الطائرات في العالم تستخدم موقف سيارات الموظفين، لتخزين الطائرات التي لم تستطع تسليمها.
رينتون هي موطن طائرة 737 ماكس، أحدث طراز من الطائرات التجارية الأكثر مبيعا في التاريخ.
منذ أن تسبب حادثان مميتان في دفع الهيئات التنظيمية العالمية إلى إيقاف أسطول طائرة ماكس بالكامل في آذار (مارس) الماضي، كان موظفو المصنع البالغ عددهم 12 ألف شخص، يواجهون في كل يوم يصلون فيه إلى العمل، تذكيرا ضخما بأكبر أزمة في تاريخ شركة بوينج، الممتد على مدى 103 أعوام.
كانت الشركة تنتج 42 طائرة من طراز ماكس شهريا، على الرغم من أنها لم تكن تستطيع إرسالها إلى الزبائن، ما يترك نحو 400 "ذيل أبيض" أي طائرات منتهية في الانتظار ضمن إسطبلات شركات الطيران قبل التسليم، أما الآن فقد باتت بحاجة إلى حلول تخزين جديدة.
ستكون لديهم مساحة أكبر قريبا، بعد أن أعلنت شركة بوينج هذا الأسبوع أنها ستوقف الإنتاج في رينتون لفترة غير محددة. سيوقف الموظفون سياراتهم في منشآت شركة بوينج الأخرى القريبة، حيث وعدت الشركة التي تبلغ قيمة رسملتها 188 مليار دولار، بالعثور على عمل لهم فيها.

متي يعود طراز ماكس إلى التحليق؟
كان دينيس مولينبورج، الرئيس التنفيذي لشركة بوينج (المقال أخيرا)، يأمل أن تعاود طائرات ماكس مرة أخرى بحلول هذا الصيف، إلا أن المحللين يعتقدون أنها لن تعود حتى آذار (مارس) من عام 2020 على الأقل، بعد نحو 18 شهرا من وقوع أول حادث من الحادثين، في إندونيسيا وإثيوبيا على التوالي، ما أودى بحياة 346 شخصا.
على أنه حتى ذلك التاريخ قد يكون متفائلا، قالت شركة يونايتد للخطوط الجوية يوم الجمعة الماضي، إن طائرات ماكس لن تعود إلى أسطولها حتى حزيران (يونيو) المقبل.
الأزمة لم تكلف أكبر شركة مصدرة في أمريكا مليارات الدولارات فحسب، فقد تحدت كثيرا من الافتراضات الأساسية في صناعة الطيران العالمية، حول السياق السياسي والتنظيمي والتنافسي الذي تعمل فيه.
إعلان شركة بوينج جعل الموظفين الذين كانوا يخشون الاستغناء عن خدماتهم يشعرون بالارتياح، لكنه أثار أعصاب شركات التوريد التي ستجد صعوبة في استبدال العمل المفقود، خلال أي انقطاع مطول في الطلبات.
مع انخفاض أسهمها بنحو الربع منذ آذار (مارس) الماضي، وتقدير خبراء الاقتصاد أن التعطيل يمكن أن يزيل نصف نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة في الربع الأول من عام 2020، جذبت متاعبها أيضا انتباه المسافر على أشهر طائراتها، وهي طائرة الرئاسة الأمريكية Air Force One.
بحسب ما ورد، فقد اتصل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بمولينبورج يوم الأحد الماضي قبل إقالة الأخير للاستفسار عن صحة الشركة، موضحا أنه عليه في العام الانتخابي موازنة التأثير الاقتصادي لشركة بوينج بمخاوف ناخبيه بشأن السلامة.

فشل نموذج الشركة في التواؤم مع التغير
فشل شركة بوينج في وضع أزمة طائرة ماكس وراء ظهرها أثار حيرة حتى الخبراء الذين يدرسون أزمات الشركات، من سحب دواء تايلينول المخفف للألم لشركة جونسون آند جونسون عام 1982، إلى الكارثة البيئية لتسرب النفط المتعلق بشركة بريتش بتروليوم عام 2010.
الملحمة التي طال عليها الأمد لديها أوجه شبه قليلة، كما يقول إريك ماكنولتي، المدير المساعد لمبادرة القيادة الوطنية للتأهب، لكنه يعتقد أنها تنبع من الإدارة "الصماء" وعدم القدرة على فهم أن عالم شركة بوينج، كان يتغير حتى قبل أن يثبت فخر أسطولها أنه معيب بشكل قاتل.
عندما طرحت الأسئلة أول مرة حول الدور الذي لعبه نظامها MCAS المضاد للهويان في حادثي طائرة ماكس، كما يجادل ماكنولتي، كانت استجابة الشركة الأولى هي التفكير كالتالي: "نحن شركة بوينج؛ لا يمكن أن يحدث هذا لنا"؛ كما فشلت في التشكيك في أوجه القصور المحتملة في ثقافتها، أو علاقتها الوثيقة بهيئة التنظيم المحلية أو سوقها سريعة التغير.
ويضيف: "عندما تكون لديك رؤية عالمية منطقية، يكون من شبه المستحيل الفكاك منها. كان النظام يبدو منطقيا إلى أن جاء الوقت الذي لم يعد فيه كذلك".
شركة بوينج متهمة بإنتاج تصميم معيب لنظام MCAS دفع مقدمة الطائرة إلى أسفل عندما اكتشفت أجهزة الاستشعار أنها كانت على وشك التوقف.
اختارت شركة بوينج استخدام جهاز استشعار واحد بدلا من اثنين لتسليم تلك البيانات الحاسمة لنظام التحكم بالرحلة، ما تركها عرضة للخطر إذا كان جهاز الاستشعار المتبقي معيبا.
ما زاد من تعقيد المشكلة أن شركة بوينج ضغطت من أجل الاحتفاظ بالمعلومات عن النظام خارج الدليل لتجنب التدريب المكلف للطيارين، بحجة أن الطاقم ينبغي أن يكون قادرا على التعامل مع النظام من قوائم المراجعة الحالية.
يقول أحد المحللين، وهو مهندس سابق في مجال الطيران: "لا أظن أنهم يعتقدون أنهم ارتكبوا أي خطأ. يعتقدون أنهم صمموا طائرة كانت جيدة وهذا لم يكن سيحدث لو كان لديهم طيارون يعرفون ماذا يفعلون ... في أعماقهم يعتقدون أنهم يعاملون بطريقة قاسية".
إذا كانت شركة بوينج قد عجزت عن إدراك الموقف بسبب الاستجابة العدائية لوضعها الصعب، فيرجع ذلك جزئيا إلى أن مكانتها كواحدة من أهم الشركات من الناحية السياسية في أمريكا، لم توفر لها حماية تذكر بشكل يثير الاستغراب.
مع انتشار المصانع في كل أنحاء البلاد، تبرعت الشركة بمبلغ 4.2 مليون دولار لسياسيين من جميع الأطياف، من عام 2016 حتى عام 2018. كما منحت أيضا مليون دولار عند تنصيب الرئيس الحالي.

«بوينج» تواجه مزيجا من المشكلات
إذا كانت تأمل أن مثل هذه الرعاية ستحميها، فقد كانت مخطئة. يقول ريتشارد أبو العافية، نائب الرئيس في شركة تيل جروب الاستشارية للطيران Teal Group، إن شركة بوينج لا تواجه مشكلات تقنية لا يمكن التغلب عليها، بل تواجه "مزيجا بشعا من الضغط السياسي وعدم كفاءة الرسائل والخلل التنظيمي".
من وجهة نظر أحد الموردين السابقين طلب عدم الكشف عن اسمه، بدأت مشكلاتها مع طائرة ماكس عندما سمحت لها إدارة الطيران الفيدرالي "بحشر" تعديلات على تصميم طراز 737، الذي تم اعتماده أول مرة عام 1967، بدلا من مواجهة عملية الموافقة الأكثر صعوبة على طائرة جديدة بالكامل.
وفي الوقت الذي علم فيه أعضاء لجان من مجلسي النواب والشيوخ مدى حرص شركة بوينج على تجنب تصنيف طائرة ماكس على أنها طائرة نفاثة جديدة، بدلا من كونها تحديثا لطائرة قديمة، اتخذوا لهجة صارمة في استجواب مولينبورج والمسؤولين التنفيذيين الآخرين.
لجنة النقل التابعة لمجلس النواب تريد معرفة من كان يضغط على الهيئات التنظيمية، لتقليل مدى التدريب الذي سيحتاج إليه الطيارون على طائرة ماكس. مع وجود نصف مليون وثيقة لمراجعتها، سيمتد تحقيقها لأشهر.
يقول أحد المسؤولين في الكونجرس: "من الواضح أن هناك مشكلة ثقافية في شركة بوينج. ستضطر إلى اتخاذ كثير من الإجراءات لتحويل هذه الشركة: قيادة جديدة، ولربما منظور جديد".
كثير من التدقيق الذي واجهته شركة بوينج في الكونجرس ركز على علاقة مع جهتها التنظيمية المحلية، التي يعدها كثيرون الآن دافئة بشكل مفرط.
تقرير رسمي صادر عن ممثلي إدارة الطيران الفيدرالي ووكالة ناسا وسبع هيئات تنظيمية، استنتج أن ممارسة إدارة الطيران الفيدرالي في تفويض كثير من الخطوات المطلوبة للمصادقة على طائرة إلى موظفي شركة بوينج، أحدثت "أولويات متضاربة".
إدارة الطيران الفيدرالي، التي تتعرض للانتقاد، بدت مصممة على إظهار تباعدها.
يقول أبو العافية في حين أن هيئة التنظيم فيما مضى كانت ستقبل تأكيد شركة بوينج أن طائرتها صالحة للطيران، إلا أنها "تفرض نفسها من جديد" الآن.

عدم واقعية الجدول الزمني
الجدول الزمني لشركة التصنيع للحصول على موافقة على طيران طائرة ماكس مرة أخرى "لم يكن واقعيا"، كما قالت إدارة الطيران الفيدرالي الأسبوع الماضي، حيث وبخت شركة بوينج لأنه يبدو أنها تحاول "إجبارها" على التحرك بشكل أسرع.
إدارة الطيران الفيدرالي ليست الشاغل الوحيد لشركة بوينج. على الرغم من تقليد اتخاذ الهيئات التنظيمية المحلية زمام المبادرة في مثل هذه القرارات، إلا أن الصين كانت أول بلد يمنع طيران طائرة ماكس كما أن جميع الهيئات الدولية النظيرة لإدارة الطيران الفيدرالي تطالب مشاركة رأيها في العملية قبل أن تطير مرة أخرى.
السلطات التي تراوح بين الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران إلى هيئة الطيران المدني في كندا، تطرح أسئلة مكثفة على شركة بوينج.
آمال إدارة الطيران الفيدرالي لتجنب عودة تدريجية للخدمة تتطلب تنسيقا غير مسبوق مع نظرائها، الأمر الذي يراه البعض في الصناعة الأمريكية أنها تواقة لتحدي مكانتها كجهة تنظيم رائدة.
تغذت شكوكهم من التوترات بين واشنطن وشركائها التجاريين. الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب أدت إلى زيادة حدة المنافسة مع الصين، بينما فازت الولايات المتحدة أخيرا بدعم منظمة التجارة العالمية لقضيتها، فإن الاتحاد الأوروبي قدم دعما غير عادل لشركة إيرباص، الشركة الأوروبية المنافسة لشركة بوينج.
على الرغم من هذا الفوز، إلا أن هناك مسؤولا تنفيذيا بارزا في الصناعة يحذر من أن "الوقت ليس لمصلحة شركة بوينج"، لأن أزمة طائرة ماكس ربما أعاقت الإطلاق المخطط "لطائرة جديدة متوسطة الحجم"، لمدة ثلاثة أعوام. ويقول إن شعبية طائرة A321XLR التي أطلقتها أيرباص، وإعادة تصميم طائرة A330neo يمكن أن يترك قليلا لشركة بوينج، في سوق الطائرات المتوسطة لتسعى إليه.
في الوقت الحالي، شركات الطيران التي تواجه احتكارا من الناحية العملية بين شركتي بوينج وأيرباص لا تستطيع تحمل فشل أي منهما. يقول المسؤول التنفيذي: "السوق بحاجة إلى أن تنتعش شركة بوينج".

مولينبورج وفشل ستارلاينر
على الرغم من الانزعاج الذي أظهره مولينبورج أثناء استجوابه في جلسات استماع الكونجرس في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إلا أن كثيرا من الناس يتوقعون أن تخفف واشنطن من دافعها لمعاقبة البطل الوطني.
يقول المسؤول التنفيذي: "ستحظى شركة بوينج بكل الدعم الذي تحتاج إليه للانتعاش من شركات الطيران والحكومة والوكالات. كانت شركة بوينج متفائلة ومتعجرفة فوق الحد في الطريقة التي توقعت فيها أن الطائرة ستطير مرة أخرى. على أن السؤال هو: هل تسمح أي من إدارة الطيران الفيدرالي والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران، بطيران طائرة 737 مرة أخرى؟" في الأجل القريب.
إذا كان على شركة بوينج إعادة التفكير في افتراضاتها بشأن واشنطن والبيئة التنظيمية الأوسع، فعليها أن تفعل الشيء نفسه مع طائراتها.
واجهت الشركة ردود فعل غاضبة عندما اقترحت في وقت سابق من العام، لأن أخطاءها في نظام MCAS مجرد حلقة واحدة في "سلسلة من الأحداث"، إلا أن خطأ الطيار الذي ألمحت إليه يبقى مصدر قلق لشركات التصنيع والهيئات التنظيمية.
في الوقت الذي تعتمد عليه توقعات نمو الصناعة على الأسواق الناشئة، تواجه شركة بوينج الحاجة إلى إعادة تقييم برامجها التدريبية المختلفة للطيارين.
هذا سيعني بناء مزيد من شبكات الأمان التكنولوجية في مقصورات القيادة، ومستوى الآلية الذي كانت تقاومه.
مجلس إدارة شركة بوينج كان يثق بمولينبورج حتى وقت قريب قبل الإطاحة به لتنفيذ هذه التحولات طويلة الأجل، حتى أثناء قيادة العمل العاجل لإعادة طائرة ماكس إلى السماء والاستجابة لتحديات مثل العطل الذي حال دون وصول كبسولة ستارلاينر لرواد الفضاء Starliner من الوصول إلى محطة الفضاء الدولية يوم الجمعة قبل الماضي.
الرئيس التنفيذي سيراقب الطائرات القابعة في موقف السيارات في رينتون أثناء ذلك. توقف طائرة 737 ليس أمرا جيدا: إن إطاراتها تتسطح، والأجهزة الإلكترونية فيها بحاجة إلى إعادة الاختبار، ويجب أن يستمر محركها في العمل على الوجه السليم.
يقول أحد الموظفين إن الأمر يشبه كثيرا إحدى السيارات في رينتون: "عليك إخراجها في رحلة قصيرة" لإعادة اختبار أدائها على الطريق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES