النتائج المحتملة لاتفاق «أوبك» الأخير

بعد اجتماعات ماراثونية توصلت "أوبك" وحلفاؤها OPEC+ إلى اتفاق يقضي بخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل في اليوم حتى مارس 2020، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط يوم الجمعة السادس من ديسمبر؛ حيث تم تداول خام غرب تكساس الوسيط ذلك اليوم قرب 60 دولارا للبرميل، في حين اقترب خام برنت من 65 دولارا للبرميل.
وإجمالا حسب الاتفاق الجديد سترتفع التخفيضات البالغة 1.2 مليون برميل في اليوم من "أوبك" وحلفائها إلى 1.7 مليون برميل يوميا. وقد تم تداول هذه الأرقام في اليوم السابق للاجتماع. لكن عندما أعلنت رسميا يوم الجمعة، أكدت السعودية للسوق أنها ستواصل تخفيضاتها الطوعية بما يتجاوز المطلوب.
مع التخفيضات السعودية الطوعية يرتفع إجمالي التخفيضات إلى 2.1 مليون برميل في يوم. يبدأ العمل بالاتفاق اعتبارا من يناير 2020، وستجتمع "أوبك" مرة أخرى في مارس، ومن بين 500 ألف برميل يوميا من التخفيضات الإضافية، ستتحمل "أوبك" نحو 372 ألف برميل في اليوم، في حين تتحمل الدول غير الأعضاء في "أوبك" التي تقودها روسيا نحو 131 ألف برميل في اليوم. وفي البيان الختامي للمؤتمر، أكدت "أوبك" أهمية التزام جميع الدول بتخفيضات الإنتاج الطوعية. لقد كان هذا التأكيد بمنزلة دعوة دبلوماسية للبلدان التي لم تمتثل بالكامل لمعظم هذا العام، مثل العراق ونيجيريا.
ما الغرض من كل هذا؟ من الواضح أن "أوبك" وحلفاءها أرادوا تجنب فائض العرض المتوقع عام 2020. لقد تحدت الصفقة توقعات معظم المحللين الذين رأوا أن المؤتمر سيمدد الاتفاق فقط. إقناع الجميع بضرورة إقرار تخفيضات إضافية كان إنجازا كبيرا. ومع ذلك، فإن الاتفاق سيستمر حتى مارس. في حين أن من الممكن تمديده، يبدو أن "أوبك" وحلفاءها يعتقدون أن الفائض قد يكون مؤقتا ويمكن التخلص منه.
هناك بعض العوامل الأخرى التي تقوض تأثير التخفيض قليلا. الأهم من ذلك هو أن المجموعة كانت بالفعل ملتزمة أكثر من اللازم في الاتفاق، وهذا يعني أن التخفيض كان بالفعل أكثر عمقا.
في هذا الجانب، قال كومرز بنك Commerz bank، بفضل التخفيضات الطوعية وغير الطوعية في الإنتاج، تنتج "أوبك" أقل بكثير مما نصت عليه الاتفاقية منذ شهور. وبعبارة أخرى، فإن القرارات الأخيرة تغير قليلا فقط. ومضى بنك الاستثمار مضيفا أن الخطر لم ينته بعد بالنسبة للمنظمة. حيث يعتقد البنك أن قرار السادس من ديسمبر لا يذهب بعيدا بما فيه الكفاية. قبل كل شيء، فائض العرض في الربع الأول من عام 2020 أعلى بكثير من 500 ألف برميل في اليوم، حسب تقديرات البنك الاستثماري. ما هو أكثر من ذلك، لا يزال غير واضح كيف يمكن احتواء الزيادة المفرطة في العرض التي سيشهدها الربع الثاني دون تخفيضات الإنتاج. ونتيجة لذلك يرى البنك مخاطر هبوطية على أسعار النفط.
وأشار محللون آخرون أيضا إلى التحديات التي تواجه اتفاقا مدته ثلاثة أشهر فقط. الاستنتاج الرئيس حتى الآن هو أن الاتفاق حتى مارس 2020 فقط لا يفعل كثيرا لمساعدة السوق على تحديد اتجاهاتها بعد هذا التاريخ، أو بعبارة أخرى إنه يكاد يزيد درجة عدم اليقين التي يتعين على السوق التعامل معها ويترك مساحة كبيرة للمضاربين.
لكن يمكن أن يكون قصر مدة الاتفاق مجرد علامة على أن "أوبك" وحلفاءها يعتقدون أن الفائض في السوق مؤقت. في هذا الجانب، قال وزير الطاقة الروسي "نرى بالفعل بعض مخاطر زيادة العرض في الربع الأول بسبب انخفاض الطلب الموسمي على المنتجات المكررة والنفط الخام".
يعتمد حجم الفائض ومدى قابلية "أوبك" على موازنة السوق إلى حد كبير على ما إذا كان بإمكان إنتاج النفط الصخري الأمريكي الاستمرار في النمو أم لا. في هذا الصدد، يرى بعض المحللين استمرار نمو إنتاج النفط الصخري، حتى لو ظلت أسعار خام غرب تكساس الوسيط عالقة في منتصف الخمسينيات. يبقى أن نرى ذلك، المشكلات المالية التي تعانيها الصناعة ستشكل تحديات كبيرة للشركات التي تحاول الحفاظ على النمو. لكن تخفيضات "أوبك" وحلفائها قد تسهم دون قصد في إنعاش شركات النفط الصخري إذا نجحت في زيادة الأسعار.
في الواقع، إن الامتثال القوي إلى جانب التطورات الاقتصادية الإيجابية الأخرى، مثل انتعاش أسواق الأسهم العالمية واتفاق تجاري ولو كان صغيرا بين الولايات المتحدة والصين، قد يدفع أسعار خام برنت إلى 70 دولارا للبرميل.
بعد الاتفاق، عدل بنك جولدمان ساكس توقعاته لمتوسط أسعار خام برنت لعام 2020 إلى 63 دولارا للبرميل، مرتفعا من 60 دولارا للبرميل في توقعاته السابقة، مع حدوث توازن في العرض والطلب إلى حد كبير. وقال البنك إن الصفقة من المرجح أن تزيد حالة التراجع Back wardation في منحنى العقود الآجلة، بمعنى أن أسعار العقود قريبة الأجل أعلى من أسعار العقود الآجلة الأطول.
وكان بنك ريموند جيمس أكثر دعما لتوقعات السوق. حيث يرى البنك أن متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط قد يبلغ 65 دولارا للبرميل عام 2020، ويبلغ متوسط سعر خام برنت 70 دولارا للبرميل. لكنه يرى أن المسار الصعودي للأسعار سيتسارع إلى عام 2021، حيث يبلغ متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط 75 دولارا للبرميل ومتوسط سعر برنت المتوسط 80 دولارا للبرميل. يعتمد كثير على رد فعل موارد النفط الصخري في الولايات المتحدة. البعض الآخر أكثر تشككا في أن اتفاق "أوبك" سيسهم في انتعاش إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. في هذا الصدد قال محللو "جولدمان ساكس" هذا الارتفاع في السعر الفوري لا يقودنا إلى رفع توقعاتنا لنمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة لعام 2020 الذي يظل عند 600 ألف برميل في اليوم.
يكمن الخطر بالنسبة لـ"أوبك" في أنه إذا نجحت التخفيضات بشكل جيد للغاية -إذا ارتفعت الأسعار أكثر من اللازم- فقد ينتعش النفط الصخري الأمريكي، ما قد يزيد وتيرة الحفر ويهدد بموجة أخرى من الإمدادات. عندها، قد تحتاج "أوبك" وحلفاؤها إلى تمديد التخفيضات مرة أخرى أو حتى تعميقها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي