Author

العقارات «تدخل» الانتخابات البريطانية

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"كل البرامج الاقتصادية الانتخابية في بريطانيا غير واقعية"
جورج أوسبورن، وزير المالية البريطاني الأسبق

لم تشهد برامج الأحزاب البريطانية "كرما" في الإنفاق في تاريخها، كما تشهده حاليا، وهي التي تستعد لانتخابات عامة في الـ12 من الشهر الجاري. فالتحدي الإعلامي على هذا الصعيد بات السمة الرئيسة للحملات الانتخابية الجارية بقوة على الساحة المحلية. لكن دون أن تبعد الموضوع الأهم والتاريخي أيضا عن هذه الساحة، وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو "بريكست"، إلى درجة أنه يمكن بسهولة تسمية هذه الانتخابات بـ"انتخابات بريكست" دون تحفظ أو تردد. هي تاريخية بلا شك، إلى درجة أن مجرد إجرائها في الشهر الأخير من العام، حدث فريد ومتميز، إذ لم تحدث انتخابات عامة في المملكة المتحدة في هذا الشهر منذ 100 عام. فكل الانتخابات كانت تجري في فصل الربيع تقريبا.
وبعيدا عن كرم الإنفاق الذي بلغ في بعض الأحيان حاجز التريليون استرليني، تكثر الأسئلة من جانب الإعلام والناخبين المؤيدين لهذا الحزب أو المعارضين له، حول من أين سيأتي الحزب المنتصر بهذه الأموال؟ خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن بريطانيا -وفق فيليب هاموند وزير المالية السابق- ستخسر ما بين 3 و7 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي فور خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهذه الخسائر ستصل إلى 10 في المائة، إذا خرجت دون اتفاق مع الكتلة الأوروبية. بمعنى آخر ستصبح أكثر فقرا. عند هذه النقطة، "يتفنن" قادة الأحزاب المنخرطة في حملاتها الترويجية في اختيار القطاعات والميادين التي سيستهدفونها بالضرائب لتمويل "الكرم الحاتمي". بعضهم سيضيف مزيدا من الضرائب على الوقود، والبعض الآخر يستهدف الأثرياء الذين يشكلون 5 في المائة من البريطانيين، فضلا عن ضرائب إضافية أخرى على الشركات.
وفي زحمة هذه "الاستكشافات" الضريبية، برز الجانب الخاص بالعقارات. وهذا القطاع -كما هو معروف- يمثل محورا مهما للاقتصاد البريطاني، ولا سيما اقتصاد مدينة لندن، دون أن ننسى بالطبع أن هذه المدينة تسهم في ربع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة كلها. فحزب المحافظين المعروف بـ"صداقته" للأثرياء والشركات، وبـ"حزب الضرائب المنخفضة"، قرر فرض ضرائب جديدة -أو رسوم الختم- على الأشخاص غير المقيمين في بريطانيا ويشترون عقارات فيها. والسبب مثير فعلا، هو للإنفاق على إيواء المشردين في الشوارع البريطانية الذين يقدر عددهم بـ320 ألف شخص، وفق "منظمة الملجأ" الأهلية. بينما يصل عددهم في لندن إلى أكثر من عشرة آلاف مشرد. وهذه الأعداد هي الأعلى منذ عام 2005، استنادا إلى إحصائيات رصينة.
موضوع العقارات المغلقة دائما، طالما أثير على الساحة البريطانية على مر الأعوام، خصوصا في لندن التي تستقطب عادة الأجانب لشراء المنازل والشقق، ولا سيما في وسط المدينة. والأمر في ضرائب شراء العقارات ينطبق حتى على البريطاني غير المقيم الذي اعتاد على تأجير عقاره، ويعيش في الخارج. وإذا كان حزب المحافظين يستهدف الأفراد في ضرائب العقار، فإن حزب العمال يستهدف بقوة الشركات التي تشتري العقارات. وهذا الجانب يختص بالأجانب، الذين اعتادوا على تسجيل عقاراتهم بأسماء شركات مسجلة بالفعل في بريطانيا، وبعضها مسجلة "أوفشور". وضرائب عقارات الشركات ستكون أكبر بالتأكيد، لأن القيمة الأصلية لعقاراتها كبيرة، مقارنة بتلك التي يتم شراؤها بصورة فردية. وغالبا ما تتجاوز عقارات الشركات المليون جنيه استرليني للعقار الواحد.
المهم، أن القانون المزمع سيفرض ضرائب جديدة على العقارات تراوح -بحسب قيمة العقار- بين 3 و13 في المائة. وهي بالفعل نسب مرتفعة ستسهم في خفض الحركة العقارية على الساحة البريطانية كلها. وطبقا لمؤسسات عقارية متعددة، فإن 70 ألف عملية شراء عقارية تجري في إنجلترا وحدها كل عام. وهناك ما لا يقل عن 13 في المائة من المنازل الجديدة في لندن بيعت لأجانب في غضون عامين لا يقيمون فيها. وهذه نسبة كبيرة، خصوصا أن أغلب هذه العقارات تدخل الشريحة الفاخرة. ومن هنا، سيحرك المحافظون ضد هذا النوع من عمليات الشراء العقارية في المستقبل، لكن هناك مشكلة ستظهر حتما في هذا المجال، تتعلق بالآثار السلبية في القطاع العقاري كله، في الوقت الذي تحتاج فيه بريطانيا إلى حراك في كل قطاعاتها، إذا ما تم خروجها فعلا من الاتحاد الأوروبي.
دائما ما كانت العقارات في المملكة المتحدة مادة انتخابية، خصوصا في لندن لأن أغلب المستهدفين من مالكي المنازل في هذه المدينة من الأثرياء، ونسبة كبيرة منهم من العرب. وفي الآونة الأخيرة انضم أثرياء إلى سوق العقارات من روسيا والصين، ما جعل السوق نشطة، لكنها ليست واقعية، بسبب الارتفاع المبالغ فيه لأسعار العقارات الفاخرة على وجه الخصوص. وفي كل الأحوال، يمكننا القول، إن العقارات البريطانية صارت بقوة مادة انتخابية، ليس بفعل الضرائب الجديدة المزمعة فقط، بل لربطها بقضية المشردين الحساسة جدا والمستفحلة في البلاد.

إنشرها