ثقافة وفنون

«لوسي في الفضاء» .. ناتالي بورتمان بين الخيال والواقع

«لوسي في الفضاء» .. ناتالي بورتمان بين الخيال والواقع

«لوسي في الفضاء» .. ناتالي بورتمان بين الخيال والواقع

ما بين الأرض والفضاء أميال لا تقاس فقط بالأرقام، إنما للأحاسيس دور في هذه العملية الحسابية، حيث إن المشاعر كذلك تختلف بين الكواكب، ولقد تنوعت الأفلام التي تصف الحياة على الكواكب الأخرى بالتفصيل الممل، إضافة إلى حياة رواد الفضاء، الذين يتخبطون في تنقلاتهم، فيعيشون حالة من الضياع والتشتت ويصارعون للاعتياد من جديد على عالم صغير بعدما كانوا في عالم الفضاء الشاسع، تماما كما حصل مع لوسي في فيلم الخيال العلمي "لوسي إن ذا سكاي".
"أنا وحيد الآن، وحيد تماما، ومعزول بالكامل عن أي حياة معروفة"، هذه الكلمات قالها مايكل كولينز رائد الفضاء على متن أبولو 11 "الذي لم يمش على القمر" وأشير إلى هذه الكلمات في فيلم Lucy in the Sky كوسيلة لتلخيص الأزمة الوجودية التي تمر بها لوسي كولا بطلة الفيلم الرئيسة -تؤدي دورها ناتالي بورتمان النجمة الأمريكية- التي تذهب في مهمة خارج كوكب الأرض، لتعود بنفسية مختلفة وتأثر كبير، ويصعب عليها التأقلم مرة أخرى مع حياتها قبل رحلتها إلى الفضاء، خاصة أنها بدأت تخلط بين الواقع والخيال في تصور حياتها.

العودة إلى الأرض
أثناء عودتها إلى الوطن تصارع لوسي لإعادة التواصل مع زوجها درو -يؤدي دوره دان ستيفنز- وبالتالي تسعى إلى الحصول على مقعد في المهمة التالية، لكن يأتي الجواب للوسي بالقول "إذا كنت تريدين الذهاب مرة أخرى، فسيكون عليك استحقاق ذلك"، في هذه الأثناء تنضم لوسي إلى مجتمع سري يدعى Circle of the Rolling Ball، وهو مؤلف من رواد فضاء "يدعون رؤية الإله" ووجدوا أنه من الأسهل مناقشة تجاربهم مع عائلتهم الفضائية بدلا من عائلتهم الأرضية، وتقع لوسي تحت سحر مارك جودوين رائد الفضاء الوسيم -يؤدي دوره جون هام- الذي بسبب علاقتها العاطفية به تشعر بشيء للمرة الأولى منذ عودتها، لكن العلاقة تجعل من لوسي أكثر تهورا، مع عواقب وخيمة على حياتها المنزلية والمهنية.

مقتبس من قصة حقيقية
الفيلم ليس رواية خيالية للكاتبين براين براون وجون يتوورث، بل هو مقتبس من قصة حقيقية بطلتها ليزا نواك رائدة الفضاء الأمريكية، التي شاركت في أول رحلة مكوكية عام 2006، واتهمتها محكمة في أورلاندو في ولاية فلوريدا بالتعدي بالضرب ومحاولة الاختطاف، بعد مهاجمتها غريمتها وليام أوفلين في حب زميلها رائد الفضاء، أما ضحية الاعتداء فكانت كولين شيبمان وهي ضابطة في الجيش، لكنها ليست رائدة فضاء، وبسبب هذه القصة طردتها وكالة الفضاء الأمريكية عام 2007، وانتشرت قصة نواك في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بسبب قيامها بقيادة سيارتها من هيوستن، تكساس إلى أورلاندو، فلوريدا، بنية اختطاف حبيبة عشيقها السابق، التي خانت زوجها معه، وعلى الرغم من رواية الفيلم قصة حقيقية، إلا أن المخرج ارتأى تغيير أسماء أبطال القصة الحقيقيين، وحذف أهم حدث أسهم في شهرة قصة ليزا نواك في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي القصة الحقيقية، قامت ليزا بقطع 900 ميل وهي مرتدية "حفّاضا"، كي لا تتوقف عن القيادة طوال رحلتها، وهو ما جعل من حكايتها نكتة عام 2007.

"أد أسترا" فيلم مشابه
في الوقت الذي تناولت فيه وسائل الإعلام قصة نواك من منظور الغيرة، حاول الفيلم إظهار الأثر النفسي لإمضاء رواد الفضاء فترة طويلة خارج الأرض وفي الظلام، وهم يرون الكرة الأرضية بكل ما فيها كنقطة في محيط كبير، وقدرة هذا الشعور على تحطيم المرء عند عودته لاستئناف حياته العادية على هذه النقطة الصغيرة. لقد طرحت هذه الفكرة منذ عدة أشهر في فيلم "أد أسترا" للممثل براد بيت، حيث أظهر نفسية رواد الفضاء بعد عودتهم إلى الأرض وما يخالطها من غرابة وتأثر وعدم انسجام مع الآخرين، وتناول الفيلم قصة سفر رائد يدعى روي ماكبرايد -يؤدي دوره بيت- عبر النظام الشمسي للعثور على والده الذي فشل في مهمته للذهاب إلى كوكب نبتون، من أجل العثور على إشارات خارج كوكب الأرض، وفضل والد بيت في الفيلم الموت على العودة إلى الأرض التي لا يستطيع العيش فيها، بعد مكوثه أعواما في الفضاء.

أداء الممثلين
تقدم ناتالي بورتمان أداء ممتازا في دور شخصية البطلة، حيث كانت قوية وقاسية في مشاهد الفيلم الافتتاحية، ويعد هذا العمل الثاني لها التي تؤدي فيه قصة مبنية على شخصية حقيقية، حيث قدمت سابقا فيلم "جاكي"، وهو فيلم سيرة ذاتية درامي من إنتاج عام 2016 للمخرج بابلو لارين من تأليف نواه أوبنهايم، يدور الفيلم حول حياة جاكي زوجة الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي منذ اغتياله عام 1963، أما دان ستيفنز وجون هام فيقدمان أداء مقنعا في دور الرجلين في حياتها، خاصة أداء ستيفنز الذي يقنعك بأنه رجل ذو قلب من ذهب، على الرغم من أنه لم يُستغل بالشكل الذي يستحقه في الفيلم، كما ينجح هام من دون بذل أي جهد في تقديم شخصية يمكن وصفها بأنها "بطل آكشن مطلق يحب الانطلاق بسرعة"، كما تقدم إيلين بورستين أداء رائعا في دور جدة لوسي ذات اللسان السليط، التي بالنسبة إليها تناول الشراب وإطلاق الشتائم هما بمنزلة هواية، في حين تقدم بيرل أماندا ديكسون أفضل ما لديها في دور ابنة شقيق لوسي، على الرغم من أن شخصيتها لا تقدم الكثير للقصة، وأننا نشعر أحيانا أنها عبارة عن تشتيت لا حاجة إليه.

حذف تفصيل للحفاظ على القيمة
يتميز مخرج الفيلم نوا هاولي بحبه لسرد القصص البصرية تماما كما فعل في مسلسل Legion، والطريقة التي يصور بها هذا التناقض بين العالمين تعطي شعورا مضللا في البداية، حيث تكون المشاهد التي تجري في الفضاء أو "ناسا" على شاشة عريضة، لكنها سرعان ما تتقلص في المشاهد المحلية أو داخل المنزل، لكن التبديل بين هذه المشاهد يحدث بشكل متكرر لدرجة أنه يتسبب في نهاية المطاف في تشتيت المشاهد، ولإعطاء الفيلم قيمة فعلية قام المخرج هاولي بحذف تفصيلة ارتداء نواك "حفاضا" في رحلتها إلى أورلاندو، لكي يعطي جانبا أكثر إنسانية للتجربة النفسية القاسية التي دفعت نواك نحو قيادة سيارتها مسافة 900 ميل، فارتداء نواك "الحفاض" هو ما جعل قصتها في الحقيقة نكتة يتداولها الأمريكيون فيما بينهم، ويغفلون السبب الحقيقي الذي من الممكن أن يدفع بامرأة ناجحة في حياتها إلى التصرف بهذه الطريقة الغريبة.
تجدر الاشارة إلى أن اسم فيلم "لوسي في الفضاء" مأخوذ من أغنية فرقة البيتلز البريطانية الشهيرة "لوسي في الفضاء مع الألماس"، وقد يكون سبب تغيير المخرج اسم الشخصية الرئيسة في الفيلم من ليزا إلى لوسي، جاء بناء على رغبته في أن يضع هذه الأغنية بالتحديد كموسيقى خلفية للمشهد الأهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون