Author

استشاريون متقاعدون ومبتدئون

|


هناك من الشباب من يظن أن أصحاب الخبرات الطويلة منافسون لهم، بالتأكيد لا، والسبب أن وظائف الدخول للمبتدئين في سوق العمل تختلف نوعا عن وظائف المتمرسين أصحاب الخبرة. تخيل خريجا حديثا من كلية الهندسة في 23 من العمر، ومهندسا متمرسا بخبرة تمتد لعقود، النقطة هنا أن الأول في بداية حياته العملية، أما الثاني فهو قد أخذ حياة كاملة في ممارسة الهندسة، مكتسبا خبرة وممارسة، إضافة إلى ما تحصل عليه في الجامعة قبل دخول سوق العمل، وما اكتسبه بعد ذلك من تعليم لاحق وتدريب وتأهيل، وهكذا، فلا تنافس بين الفئتين بل تكامل، الأول مبتدئ والثاني خبير، وفي كل منهما خير. الأمر اللافت أن هناك من يصر إصرارا غير مبرر على إخراج الخبراء من الخدمة في عمر الـ60! علينا أن نتذكر أن هذا أمر ينبغي أن يصبح خارج النقاش، والسبب بكل بساطة أن متوسط عمر السعوديين ــ بفضل الله ثم بفضل تحسن الرعاية الصحية ــ امتد خلال العقود الماضية، فارتفع من 46 عاما قبل نحو ستة عقود "عام 1960" إلى 75 عاما حاليا، تحديدا في عام 1969، أي عند صدور نظام العمل، كان متوسط العمر في المملكة 52 عاما، وهكذا، هناك ما يبرر القول إن سن التقاعد لا بد أن تتماهى مع متوسط عمر السكان life expectancy. بذلك يمكن الخلوص إلى نقطة أن من كان يتقاعد في الـ60 سابقا كان متجاوزا لمتوسط العمر، في حين إن هذا الأمر لا ينطبق على من يتقاعدون في وقتنا الراهن، ومن ناحية ثانية، فبلادنا تعاني شحا ونقصا في الخبرات، بما لا يبرر التعجل في الاستغناء عن الخبراء المتمرسين، ولا بد من إتاحة كل الفرصة لهم لمواصلة العطاء، وتوفير خيارات مرنة ومتعددة، ومزايا وإغراءات، لتستمر مساهمتهم في خدمة وطن ما برح بحاجة إلى عطائهم.
أما الأمر اللافت، فله صلة بمن تستقدمهم شركات الاستشارات العالمية، للعمل على تنفيذ تعاقداتها الاستشارية هنا، فتجد أن هناك خبراء متقاعدين في بلدانهم، ويأتون لدينا ليعملوا على تنفيذ تلك العقود، لا اعتراض لدي من حيث المبدأ، لكن النقطة لماذا لا تتاح الفرصة ذاتها لخبرائنا المحليين؟ ومن جانب آخر، تجد أن من ضمن كوادر العمل لدى تلك الشركات الاستشارية العالمية شبابا يافعين، وبالتأكيد منهم نابه نابغ، ولدينا نابهون نابغون كذلك، بوسعهم الانخراط في تلك العقود.

إنشرها