Author

تطبيقات إيصال الطعام بين التحدي والفرصة

|

تلعب منصات وتطبيقات توصيل الطعام دورا كبيرا في الاقتصاد وهي في نمو مستمر في أعمالها كقطاع، هذه التطبيقات تقوم على نموذج عمل لتوفير عدة خيارات من المطاعم والوجبات في منصة واحدة وتحت تصنيف وعرض موحد لتسهل على العميل اختيار مطعمه ووجبته المفضلة ومن ثم يقوم التطبيق بتوصيلها إليه، يعتمد هذا النموذج على تجميع أكبر قدر من المطاعم والخيارات وتعظيم الخدمة للعميل عبر التوصيل السريع وبتكلفة معقولة ومن ثم محاولة تعزيز العلامة التجارية للمنصة.
لاحظ الجميع ارتفاع عدد هذه التطبيقات آخر عامين، ما رفع حدة المنافسة بينهم وبالتالي انعكس ذلك على تحسن الخدمة للعميل ومن جانب آخر أسهمت هذه المنصات في تحسين ورفع مبيعات كثير من المطاعم، هذه النماذج من الأعمال تسمي بمجمعي الخدمات أو المنتجات Aggregators وهي تخدم قطاعا محددا وفي هذه الحالة نحن نتكلم عن قطاع المطاعم.
هناك نقطتان أود أن أتطرق لهما في سياق قطاع تطبيقات توصيل الطعام، الأولى فيها تحد والأخرى فيها فرصة.
النقطة الأولى وهي التحدي، ويتمثل في الممارسات والاستراتيجيات التي تتبعها بعض التطبيقات في المنافسة وهي قريبة أو تتجه إلى لعبة المنافسة الصفرية zero sum game أو اللعب بمقولة الأمريكان the winner takes it all ، حيث تنتهي المنافسة بين اللاعبين برابح واحد يأخذ كل شيء والبقية ينتهي الحال بهم بالأصفار، بمعنى آخر، تحولت المنافسة عند بعض هذه التطبيقات إلى محاولة إنهاء المنافسين تماما ومحاولة أخذ كامل الكعكة في السوق، وهذه الاستراتيجية خطيرة ومكلفة جدا وتحتاج إلى تمويل ضخم، وقد شاهدنا حرب الإعلانات والعروض التي وصلت إلى التوصيل المجاني كل ذلك بهدف الاستحواذ على السوق وإخراج البقية منها، وفي النهاية هي غير صحية للقطاع بشكل عام وللعملاء على المدى الطويل، ففي النهاية السوق ضخمة وتتسع لكثيرين من المنافسين، هذه الحرب تذكرنا بما حصل قبل عدة أعوام بين شركتي أوبر وديدي الصينية، حيث تحولت المنافسة إلى صراع شرس باستراتيجية من يظل صامدا يفز ويحصل على كل شيء، هذه المنافسة استهلكت من شركتي أوبر وديدي مبالغ طائلة لجأت فيها الشركتان إلى لعبة خطرة عبر التنافس على السائقين بإعطائهم كامل الأجرة وعدم أخذ أي فائدة من رحالات عملائهم، بل في بعض الأحيان التوصيل مجانا للعميل وإعطاء السائق مبلغا من أموال الشركة، هذه اللعبة القاتلة كلفت الشركتين مليارات الدولارات وفي الأخير استسلمت "أوبر" عبر صفقة خاصة، بينها وبين «ديدي» لكن في النهاية تحصلت «ديدي» على السوق الصينية الضخمة وأخرجت منافستها الأمريكية، هذه اللعبة كما ذكرت مكلفة للغاية وتستهلك موارد الشركة وتضطرها إلى الاستمرار بطلب دعم من المستثمرين وعمل جولات استثمارية وهذه قد لا تكون خيارا مفضلا من قبل المستثمرين الذين سيساورهم القلق حول نجاح هذه الاستراتيجية.
النقطة الثانية وهي الفرصة، تكمن الفرصة في منجم البيانات الموجود لدى هذه الشركات، عمليا تقوم هذه التطبيقات بتجميع بيانات من العملاء وكذلك لديها بيانات فيما يخص الطلبات والمنتجات، هذه البيانات حيوية ومهمة بدرجة عالية حيث تستطيع أن تستثمرها في معرفة سلوك العملاء، فمثلا هذه التطبيقات عبر عرضها قوائم الطعام من عدد كبير من المطاعم ومن ثم بيعها وتوصيلها إلى البيت أو المكان الذي يرغب فيه العميل، تستطيع تحليل هذه البيانات والخروج بمعلومات مهمة مثلا: ما الأسعار المناسبة لنوع معين من الوجبات ولأي منطقة من المدينة؟ وما الوقت الذي يرتفع فيه الطلب على هذه الوجبات من اليوم؟ وهل الطلب أكثر من الذكور أم الإناث، وأي عمر؟ ومن أي منطقة؟ ومدى استجابة العملاء للعروض؟ هل الاستجابة للسعر أم بالإضافات المجانية؟ وغيرها من البيانات العديدة التي تستطيع الشركات من خلالها تصميم عروضها ووجباتها للتناسب مع السوق المستهدفة، فمثلا تستطيع تركيز عروضها على محبي وجبات البيتزا عبر معرفتها بهم من خلال هذه البيانات ومعرفتها بالضبط ما يبحثون عنه، فمثلا قد يكون عرض تخفيض الوجبة نفسها أكثر إغراء من عرض بيتزا والأخرى مجانا، هذا فقط على سبيل المثال، وهذه العروض تظهر للفئة المستهدفة عبر رسائل أو إشعارات تأتي إليهم في الوقت المناسب "حسبما نتج من تحليل هذه البيانات"، وهذه الخدمة المقدمة باستثمار البيانات تكون تحت اتفاقية معينة بين المطعم والتطبيق يستفيد منها التطبيق في زيادة الإيرادات هذا على سبيل المثال.
المستقبل كبير لهذه التطبيقات خصوصا مع تزايد الاتجاه نحو الطلب «أونلاين» باستثناء المطاعم الراقية "التي هي في طرف آخر من اللعبة"، ومع امتلاك هذه التطبيقات هذه البيانات ستكون لاعبا مهما وتتعاظم أهميتها مع الوقت إذا عرفت كيف تستفيد من هذه البيانات وتستثمرها مع شركائها في تعظيم إيراداتها وأعمالها.

إنشرها