دور صندوق النقد الدولي اليوم وغدا «2 من 3»
يرتكب صندوق النقد أخطاء هو الآخر ولا سيما بسبب تأثره بالفكر التقليدي للاقتصاديين المختصين والبلدان القوية. فقد أخفق في تقدير مخاطر التحرير المالي حق قدرها سواء داخل البلدان أو خارجها. وحدث ذلك رغم تحذيرات راجورام راجان المستشار الاقتصادي للصندوق خلال الفترة من 2003-2006 التي ثبتت صحتها لاحقا.
من المعقول أن نتوقع أن يتعلم الصندوق من أخطائه, وقد فعل ذلك من قبل. ففي أعقاب الأزمة التي وقعت عبر المحيط الأطلنطي أعاد الصندوق تقييم أثر تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب على النمو. كذلك تحسنت جودة رقابته على المخاطر المالية بدرجة كبيرة، سواء في تقريريه البارزين وهما تقرير الاستقرار المالي العالمي وتقرير آفاق الاقتصاد العالمي أو في سياق عمله على البلدان الأعضاء.
وفي خطوة مهمة، اعترف الصندوق أن تحرير التدفقات الرأسمالية عبر الحدود له مخاطره ومنافعه أيضا.
ولم تكن هناك إشكالية أكبر من أزمة منطقة اليورو فقد وضعت الصندوق في موقف صعب اضطره إلى التعامل مع بنك مركزي وبلدان لا يخضعون لسيطرته. وعمل الصندوق مع مؤسسات منطقة اليورو على برامج قطرية نجحت إلى حد ما لكنها انطوت أيضا على أوجه قصور ملحوظة ولا سيما في حالة اليونان. ونتج عن ذلك أيضا إصلاح إطار الإقراض الذي يطبقه الصندوق على البلدان ذات المديونية السيادية المرتفعة، وإلغاء الإعفاءات في حالة الأزمات النظامية من إجراء التقييم الإلزامي لاستمرارية القدرة على تحمل الدين كشرط للحصول على دعم الصندوق.
وتجدر الإشارة أيضا إلى زيادة تعاون الصندوق مع الدول الهشة. ويتطلب ذلك تطبيق نهج جديدة ومبتكرة لضمان تحقيق التحولين السياسي والمؤسسي اللازم.
وكانت هذه الخطوات بمنزلة تحديث لجدول أعمال الصندوق الذي كان يهدف من خلاله إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي. وانخرط الصندوق كذلك في عدد من التحديات الجديدة مثل عدم المساواة في توزيع الدخل والثروات وعدم المساواة بين الجنسين والفساد وتغير المناخ.
وتخرج هذه التحديات عن اختصاصات الصندوق السابقة. لكنها مهمة في حد ذاتها وبالنسبة لجماعات التأييد المهمة في البلدان الأعضاء، كما أن لها انعكاسات اقتصادية كلية مهمة.
وقد يكون من المفيد تصدير صورة أقل صرامة عن الصندوق، ولا سيما في ظل بيئة سياسية صعبة بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية. كذلك كان عمل الصندوق ضروريا في بعض الجوانب ولا سيما دعم الوقود الأحفوري وتكلفة الفساد.
يتطلب استمرار العولمة التعاونية والحفاظ على دور الصندوق فيها إجراء تعديلات شاملة. وبعض هذه التعديلات يقع في نطاق سيطرة الصندوق، والبعض الآخر يتطلب إيجاد توافق عالمي جديد.
وتتمثل إحدى المهام الداخلية الكبرى في فهم التحديات الفكرية التي يواجهها اقتصادنا العالمي غير المستقر. وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات النقدية والمالية العامة والهيكلية على مستوى العالم عموما وفي البلدان المؤثرة، وذلك في ظل أسعار الفائدة شديدة الانخفاض ومعدلات التضخم المنخفضة وارتفاع حجم الديون المفرطة والكساد طويل الأجل. فما الإجراءات التي يتعين على صناع السياسات اتخاذها في مواجهة الهبوط الاقتصادي المقبل؟
وكيف ستدار عملية إعادة الهيكلة الشاملة للدين الخاص أو السيادي إذا ما أمكن تنفيذها؟ وهل ثبتت فعالية أي من المفاهيم غير التقليدية، مثل "النظرية النقدية الجديدة"؟ على الصندوق الانخراط بشكل أعمق في دراسة هذه الموضوعات استعدادا لمواجهة التحديات المستقبلية، وفي مجالات صعبة أخرى أيضا، مثل الاقتصاد السياسي للموجة الحمائية، وأثر الذكاء الاصطناعي.
غير أن التحدي الأهم هو حتمية حفاظ الصندوق على أهميته بالنسبة لجميع بلدانه الأعضاء. والطريقة المعقولة الوحيدة للقيام بذلك هي إنتاج أعمال على أعلى درجة من الجودة الفكرية والنزاهة، ولا سيما في مجال الرقابة. وقد يكون ذلك مصدر إزعاج لخبراء الرأي بالصندوق من وقت لآخر، لكنه سيحافظ على سمعة الصندوق ونفوذه بين أعضائه. والسؤال هنا هو ما إذا كان الصندوق في حاجة لمزيد من الخبراء المختصين في سياسات التغيير فمن الجيد أن ندعو إلى إلغاء الدعم، لكن كيف سيتم تقبل الأمر؟ وسؤال آخر هو ما إذا كان ينبغي أن يستعين الصندوق بمزيد من الخبراء المقيمين في البلدان الأعضاء. لذلك فمن المنطقي إجراء مراجعة مفصلة لكيفية عمل الصندوق.