FINANCIAL TIMES

الصين تقلب الطاولة .. الاقتصاد الألماني خلف نظيره الفرنسي

الصين تقلب الطاولة .. الاقتصاد الألماني خلف نظيره الفرنسي

عقار تجاري حديث كان سابقا مجموعة من المستودعات والاستوديوهات التلفزيونية القديمة في ضاحية أوبيرفيليه في باريس، قد يفسر سبب تفوق الاقتصاد الفرنسي على ألمانيا التي لطالما كانت القوة المحركة في منطقة اليورو.
من مكتبه العصري في شركته الرقمية الناشئة "الكيمي" Alchimie، يستثمر رائد الأعمال نيكولاس دوبي (43 عاما) في زيادة عدد الموظفين وفي التوسع خارجيا.
قال دوبي الذي تعمل شركته على تجميع وتنقية وصنع محتوى الفيديو بالنيابة عن مالكي الحقوق، وبالتالي توافر قنوات جديدة لمجموعات الاتصالات والتلفزيون المتعطشين لمحتوى يبيعونه للمشاهدين: "أصبحت باريس المركز الأول للشركات الناشئة. اليوم يمكنك التحدث مع الصناديق البريطانية أو الأمريكية دون أن يصيبهم الرعب".
ازدهر الاقتصاد الألماني لأعوام عديدة في الوقت الذي استفادت فيه الشركات الألمانية من التجارة العالمية المتنامية وحرية التصدير. في المقابل كانت فرنسا ذات الاقتصاد الأكثر تركيزا محليا، متخلفة. لكن الطاولة انقلبت اليوم.
في بيئة يزداد فيها العداء التجاري، قوة فرنسا في الخدمات والاستهلاك المحلي تثبت أنها نعمة، بينما تعاني الصادرات الألمانية نتيجة لاعتماد البلاد على السوق الصينية في قطاع السيارات والمعدات الصناعية.
الشركات الفرنسية مثل "الكيمي" – التي يعمل فيها أكثر من 100 موظف وبلغت مبيعاتها 40 مليون يورو في العام الماضي – تساعد فرنسا على الحفاظ على معدل نمو اقتصادي عند نحو 1.3 في المائة سنويا، في حين تقترب ألمانيا من الركود. البطالة الفرنسية - رغم أنها لا تزال أعلى بكثير مما هي عليه في ألمانيا - انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ عشرة أعوام.
نمو "الكيمي" بالطبع ليس الدليل الوحيد على أن فرنسا أصبحت ريادية بشكل أكبر، في حين أصبحت ألمانيا تعاني حالة من الخمول. كان عدد الشركات الناشئة الفرنسية في اتجاه تصاعدي حاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، في حين أن الأرقام في ألمانيا آخذة في الانخفاض.
الثروات المتناقضة لأكبر اقتصادين في منطقة اليورو ترتبط بشكل كبير بالاختلافات في هياكلهما. يمثل إجمالي الصادرات 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا مقارنة بـ30 في المائة فقط في فرنسا.
ميشالا ماركوسن، كبيرة الاقتصاديين في "سوسيتيه" قالت: "الاقتصاد الألماني متعلق بدائرة صناعة السيارات ودورة السلع العالمية للمعدات. في فرنسا ما رأيته هو أن المستهلكين يؤدون أداء جيدا، لكن الإنفاق الاستثماري بدأ يتحقق (أيضا)".
في آب (أغسطس) حقق قطاع الخدمات الفرنسي أقوى أداء له في تسعة أشهر، إذ وصل مؤشر مديري المشتريات التابع لـ"أي. إتس. إس ماركيت" IHS Markit إلى 53.4 نقطة. ويعد هذا الشهر الخامس على التوالي الذي يتعدى فيه مستوى 50 نقطة الذي يعد الحد الفاصل بين انكماش الأعمال وتوسعها. في الوقت نفسه، انخفض الإنتاج الصناعي في ألمانيا 0.6 في المائة في تموز (يوليو).
كاترينا أوترمول، كبيرة الاقتصاديين في أوروبا لدى شركة التأمين الألمانية "أليانز"، قالت: "من الواضح أنه لا يمكن إنكار أن هناك اتجاها إيجابيا يحدث في فرنسا في الوقت الحالي، لكن الأمر يتعلق بضعف الاقتصاد الألماني أكثر من قوة الاقتصاد الفرنسي".
وأشارت أوترمول إلى أن الإنتاج الصناعي الألماني يشكل 23 في المائة من القيمة الاقتصادية المضافة في البلاد، مقارنة بـ12 في المائة فقط لفرنسا. قطاع صناعة السيارات الألماني الذي تضرر من الأزمة – عانى انخفاضا سنويا في الإنتاج نسبتة 12 في المائة – يشكل 4.6 في المائة من القيمة الاقتصادية المضافة، مقارنة بـ0.4 في المائة فقط في فرنسا.
تجارة البلدان الأوروبية مع الصين آخذة في التباعد: في حين أن صادرات السلع الرأسمالية الألمانية تأثرت كثيرا بالتباطؤ في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كانت الصادرات الفرنسية من السلع الكمالية والمنتجات الاستهلاكية تتسارع.
إضافة إلى ذلك اتخذت كل من باريس وبرلين نهجا مختلفا تجاه السياسة الاقتصادية والإصلاح. النمو الفرنسي مستدام جزئيا بسبب 25 مليار يورو ناتجة عن إنفاق إضافي وتخفيضات ضريبية أعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون العام الماضي لإرضاء متظاهري السترات الصفراء – حركة أعاقت الخطط السابقة لخفض عجز الميزانية لكنها وفرت حافزا أتى في الوقت المناسب لمواجهة التباطؤ العالمي.
يقول بعض أصحاب المشاريع وخبراء الاقتصاد إن أجندة ماكرون الإصلاحية يمكن أن تساعد أيضا على الحفاظ على أداء فرنسا المتفوق.
بحسب ماركوسن، فرنسا قطعت "خطوات مهمة إلى الأمام"، بينما ألمانيا على غير المعتاد وجدت نفسها في دائرة الضوء بين شركائها في منطقة اليورو: "من الواضح أن ألمانيا في حاجة إلى إجراء عدد من الإصلاحات".
حتى الآن رفضت ألمانيا العروض المتزايدة للحوافز المالية. لورينزو بيني سماجي، رئيس مجلس إدارة المصرف الفرنسي "سوسيتيه جنرال"، قال: "عندما تتحدث إلى رواد الأعمال في ألمانيا لا يبدو أنهم متفائلون بشأن الوضع السياسي الذي يؤثر في الاستثمار".
سيلفان بروير، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا في وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، قال: "لأول مرة منذ ربع قرن تكون نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا أعلى مما هي في ألمانيا"، مضيفا أن هذا يشير إلى أن "ألمانيا اعتمدت إلى حد ما على ما حققته (في الماضي)".
لكن أداء فرنسا المتفوق قد لا يدوم. يحذر اقتصاديون ورجال أعمال من أنه لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه فيما يتعلق بالإصلاح، وأن ألمانيا لا تزال قوة صناعية يمكن أن يتضح أن مشكلاتها المتعلقة بالتجارة ذات طابع مؤقت فقط.
تتوقع ماركوسن أن فرنسا لن تكون قادرة على التصدي للاقتصاد العالمي المتعثر إلى الأبد. "عندما يكون هناك تباطؤ عالمي، أنت تميل إلى الاعتقاد بأن فرنسا تتباطأ أيضا (لكنها) متأخرة".
سبب آخر يمنع رجال الأعمال الفرنسيين من الاحتفال هو أن ماكرون يخفف وتيرة إصلاحاته لتجنب إشعال موجة غضب لدى الناخبين قبل انتخابات محلية مقررة في آذار (مارس) المقبل.
مع ذلك، دوبي من "الكيمي"، ينسب الفضل إلى ماكرون في التخلي عن الموقف العدائي تجاه الأعمال التجارية الخاصة الذي كان يتبناه بعض أسلافه. لدى "الكيمي" أعمال في ألمانيا وإسبانيا وأستراليا وهي تتوسع أكثر، وتخطط لتعيين 25 شخصا آخر هذا العام.
قال دوبي عن مجتمع الأعمال المحلي: "نحن لا نزال فرنسيين، لكننا بدأنا الآن في أخذ طابع أنجلو ـ ساكسوني بعض الشيء. لم يعد مستغربا أن يستثمر صندوق أمريكي في فرنسا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES