FINANCIAL TIMES

أهمية التنفس تفرض السؤال: ما مدى نقاء الهواء المستنشق؟

أهمية التنفس تفرض السؤال: ما مدى نقاء الهواء المستنشق؟

أهمية التنفس تفرض السؤال: ما مدى نقاء الهواء المستنشق؟

في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الجملة يطلب عقلك من حجابك الحاجز أن يتقلص وتتمدد أضلاعك، ويمر الهواء عبر قصباتك الهوائية فأنت تتنفس.
الهواء ضروري لحياة الإنسان، ومع ذلك فإن الهواء الذي نتنفسه يمكن أن يكون أيضا مصدرا لأذى كبير.
عالميا، هناك نحو سبعة ملايين حالة وفاة كل عام ترتبط بآثار تلوث الهواء، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ما يجعله أكبر قاتل بيئي. التلوث يقتل عددا من الناس أكثر من حوادث السيارات أو مرض السكري أو الخرف.
التأثيرات واضحة بشكل خاص في الأطفال الذين يعانون داء الرئة المتقزمة وآثارا معرفية مدى الحياة.
على أن السؤال بالفعل هو ما مدى سوء الهواء الذي نتنفسه؟ كيف يبدو تلوث الهواء في الحياة اليومية الذي غالبا ما يتم تقديمه في أرقام إحصائية مجردة؟
هل يستطيع الناس في المدن انتزاع أي سيطرة على مستوى التلوث الذي يختبرونه؟
للإجابة عن هذه الأسئلة طلبت صحيفة "فاينانشيال تايمز" من المراسلين في خمس مدن هي: بكين، ولاجوس، ولندن، ونيويورك وساو باولو، حمل جهاز شخصي لمراقبة التلوث لمدة أسبوع إلى أسبوعين وتسجيل النتائج.
جهاز مراقبة التلوث فلو Flow الذي صنعته شركة بلوم لابز يجري قياسات مرة كل دقيقة لأربعة أنواع من الملوثات ويستخدم بيانات الموقع لإنشاء خريطة لرحلة المستخدم.
كما يحدد الجهاز أيضا أنواع التلوث الأسوأ في أي لحظة، من خلال تسجيل مستويات الجسيمات الصغيرة (PM2.5)، والجسيمات الأكبر (PM10)، وثاني أكسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة.
تلوث الهواء ليس مادة واحدة، تتجمع أنواع كثيرة من الذرات والجزئيات لتكوين هواء غير صحي، وتوليد تلوث جديد من خلال التفاعلات الكيميائية.
شهد جميع المراسلين الخمس مستويات تلوث "عالية جدا" أكثر من مرة.
مراسلتنا في بكين سجلت التلوث الأشد في المتوسط ساو باولو كانت أنظف مدينة في المجموعة.
في بعض الأحيان، جاء التلوث من أماكن غير متوقعة، اكتشفت مراسلتنا في نيويورك أن مطابخ المطاعم والمواد الكيميائية، داخل المباني هي مصدر كبير من الملوثات.
بالطبع، يعيش الناس مع درجة معينة من تلوث الهواء لفترة طويلة.
حتى الحرائق الداخلية للطهي أو التدفئة توجد تلوثا خطيرا.
خلال القرن الـ20 صعود السيارات واستخدام الوقود الأحفوري جعل التلوث الخارجي في المدن مصدر قلق متزايدا.
في القرن نفسه مكنتنا التقنيات الجديدة من قياس التلوث بدقة أكثر من أي وقت مضى، بينما تظهر مجموعة متزايدة من الأبحاث أن التأثير على جسم الإنسان يكون أكثر شمولا مما كان يعتقد في السابق.
الوضع ليس ميؤوسا منه. زيادة الوعي وتحسين البيانات دفع الحكومات إلى اتخاذ الإجراءات.
شرعت المدن الكبيرة مثل نيويورك وبكين ولندن في إجراءات لتنظيف المدن. مزيد من محطات المراقبة وتطبيقات لتحديد نوعية الهواء وتنبيهات الصحة العامة تمكننا من تفادي أسوأ حالات التلوث.
في الوقت الذي عرف فيه فريقنا مزيدا عن تعرضهم الفردي كانت النتائج في بعض الأوقات محبطة، وغالبا ما تكون مفاجئة، وسلطت الضوء على مدى صعوبة تجنب الملوثات غير المرئية في الهواء حولنا.

لوسي هورنبي من بكين
أثناء المشي مع أطفالي على طول السور العظيم في أواخر حزيران (يونيو) الماضي، شعرت بالدهشة لرؤية الأبراج الطويلة في الحي التجاري في بكين تبرز مثل الإبر في سماء زرقاء صافية.
كان مشهدا نادرا ورائعا، حتى بعد عدة أعوام من التحسين في نوعية الهواء في بكين.
عندما كان الأطفال أصغر سنا، كانت الرؤية على مدى 90 كيلومترا غير واردة.
تلك كانت "أسوأ" أيام التي حولت العاصمة الصينية إلى مدينة تجسد الهواء الملوث في العالم.
كانت سياسات التلوث بمنزلة اختبار بسيط لنمط الأبوة، تماما مثل "الوقت الذي يسمح فيه للأطفال بمشاهدة التلفزيون" في بعض الأماكن الأخرى.
"ما حد نوعية الهواء بالنسبة لك للسماح للأطفال بالخروج؟" "هل لديك أجهزة تنقية للهواء في كل غرفة في منزلك؟" "هل ستفكر في مدرسة لا تسمح بمراقبة نوعية الهواء عن بعد في الفصل الدراسي؟" تساؤلات لا تكاد تنتهي.
هذه كانت الأسئلة التي تهمني وأصدقائي من الآباء والأمهات.
لقد كنت أرى أيضا أن فوائد الصحة العقلية في عدم الوجود في مكان ضيق مع أطفال صغار تفوق أي سخام يجد طريقه إلى رئتيهم.
كان أطفالي يخرجون حتى عندما لم نتمكن من رؤية المبنى عبر الشارع.
في سن الثالثة كان بإمكان ابني أن يحكم بدقة ما إذا كان يوم العلم الأحمر، أو يوم العلم الأصفر أو يوم العلم الأخضر.
في أيام "التنبيه البرتقالي"، كانت روضة ابنتي تغلق أبوابها، ما ترك الآباء يتساءلون ما إذا كان هواء المدرسة أسوأ فعلا من الهواء في المنزل.
في النهاية استسلمنا واشترينا جهازا لتنقية الهواء. كرهت الضوضاء والرائحة الحلوة الغريبة التي يبعثها، ونادرا ما كنت أشغله.
ثم تحسن هواء بكين بشكل ملحوظ. هل ينبغي أن نعزو ذلك إلى تصميم دولة الحزب الواحد لمعالجة شكاوى الطبقة المتوسطة؟
أم أن التباطؤ الاقتصادي غير المعترف به رسميا للأعوام 2014 - 2016 أدى إلى القضاء على المصانع التي لديها أقذر المداخن؟ حتى نكون منصفين ربما كان كلاهما.
التحسن في الحياة الأسرية دقيق لكنه حقيقي. لا يشعر الناس بأنهم محبوسون في منازلهم بعد الآن.
يلعب الأطفال في الخارج في ضوء المساء الذهبي. الحالة المزاجية أفضل. الأقنعة أقل. الهواء عاد إلى كونه مجرد هواء.
عندما جاءت زميلتي ليزلي هوك بفكرة هذا المشروع، كنت متأكدة أنه سيظهر أن نوعية الهواء لم تعد مصدر قلق كبيرا في بكين. أخبرتها أن بكين قد تكون تجسيدا لمدينة تنظيف بدلا من ذلك.
كانت المفاجأة الأولى شيئا كان ينبغي علي أن أتذكره: ما يعد أنه يوم جيد هنا (مؤشر نوعية هواء أقل من 100) لا يزال يعد ملوثا بحسب معايير شخص آخر (في لوس أنجلوس، اليوم الجيد هو مؤشر نوعية هواء أقل من 50).
في الأيام التي كنت أهنئ فيها بكين على تجديد قابليتها للعيش، كان جهاز فلو Flow يظهر علامات استفهام حول مستويات التلوث "المعتدلة" أو حتى "العالية جدا".
المفاجأة الثانية كان مقدار الفرق الذي يحدث عندما تكون في الداخل، وليس في الخارج.
جهاز المراقبة فلو Flow ارتفع عندما كنت أركب الدراجة الهوائية للذهاب إلى العمل أو المشي مع الأطفال إلى المخيم الصيفي.
تقديري هو أن تعرضنا لملوثات الهواء يتضاعف عندما نكون في الخارج، في الأيام الجيدة والأيام الرمادية على حد سواء. هل كنت مخطئة في تجاهل سعال طفلي المزعج، في الأيام التي كان فيها التلوث واضحا؟ جهاز فلو Flow يجعلني أشعر بالذنب قليلا.
على أنني سعيدة لأن الأطفال كانوا سعداء بالتزحلق على الجليد، ولعب كرة القدم وركوب درجاتهم الهوائية، حتى في تلك الأيام البيضاء الرمادية عندما كان بإمكانك رؤية السماء، وشمها، والشعور بها.

نيل مونشي من لاجوس
عندما عشت أنا وزوجتي سارة في مومباي قبل عشرة أعوام، لم نفكر كثيرا بشأن نوعية الهواء، في ذلك الحين كنا صغارا لا نقهر وكنا ندخن علبة سجائر في اليوم.
الآن أصبح لدينا أطفال ونعيش في لاجوس -مدينة ضخمة أخرى ملوثة- واستبدلنا السجائر بإدمان تطبيق أيرفيزوال AirVisual، وهو تطبيق لحشد المعلومات عن نوعية الهواء مباشرة نتحقق منه بقلق شديد على هواتفنا.
عادة ما تكون هناك محطة واحدة فقط لمراقبة الهواء متصلة بتطبيق أيرفيزوال AirVisual في مدينة يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة مقارنة بالعشرات في مدن مثل لندن أو نيويورك، حيث يبدو أن كثيرا من الناس قد اشتروا أجهزة استشعار تتصل بالخدمة لذلك نحن محظوظون لأن محطة المراقبة تقع بالقرب من منزلنا.
أثناء فترة الشتاء، فإن رياح هارماتان التي تلتقط فيها الرياح الصحراوية نصف مليار طن من الغبار من الساحل وتنشرها جنوبا عبر غرب إفريقيا، يغلب علينا إبقاء الأطفال في الداخل.
كنت استخدم جهاز فلو Flow لاختبار نوعية الهواء في حزيران (يونيو) من كل عام، مع ارتفاع موسم الأمطار.
أردت أن أرى كيف أسهم ذلك الجزء المعتاد دائما من حياة لاجوس -مولدات الديزل- في ارتفاع مستويات التلوث.
شبكة الكهرباء في نيجيريا عقيمة جدا لدرجة أنها توفر في المتوسط 4000 ميجا وات فقط من الطاقة لمواطنيها البالغ عددهم مائتي مليون نسمة، نحو ثمن ما يحصل عليه المواطنون البالغ عددهم 66 مليونا في بريطانيا.
لذلك فإن النيجيريين -كما يجب عليهم في كل جانب من جوانب الحياة المدنية- يجدون طريقة للتحايل على الحكومة، باستخدام مولدات من جميع الأحجام: من تلك الصغيرة بحجم حقيبة سفر تراها خارج أكشاك السوق، إلى تلك الضخمة المزدوجة على شكل قاطرة الموجودة بجانب مباني الشقق الفاخرة.
في أحد الأيام قدت السيارة في حلقة عبر المدينة، من إيكوي القديمة إلى ليكي سريعة النمو، ثم إلى البر الرئيس المكتظ بالسكان، والعودة إلى وسط جزيرة لاجوس. خرجت من وقت لآخر لاختبار العادم الناتج من مختلف المولدات.
القراءات الأعلى التي حصلت عليها خلال الرحلة كانت من الشاحنات القلابات، وحافلات ميكروباص صدئة يبدو كما لو أنها متماسكة بخيط وعلكة، والسيارات ذات العوادم الخلفية المكسورة فكلها تخرج سحبا لاذعة من العادم التي من شأنها تعطيل نظام تصفية تكييف الهواء، حتى في السيارة اليابانية الأكثر تطورا (أو في حالتي سيارة تويوتا بعمر 12 عاما).
تشتهر لاجوس "بالحركة البطيئة" -وهي عبارة من الوضوح الحرفي المثالي- حركة المرور من النوع الذي يعيق عشرات الآلاف من الركاب لساعات بسبب حادث سيارة واحد.
يتعامل سكان لاجوس مع حركة المرور على أنها عبء وشارة شرف على حد سواء، وهي المكان الذي يقضي فيه معظم السكان -بما في ذلك أنا- معظم وقتنا خارج المنزل أو المكتب.
الوضع بالنسبة إلينا نحن الذين نعيش في جنوبي لاجوس "الجزيرة" كما تعرف، حيث يعمل معظم الناس -أسهل بكثير مما هو لجيراننا في البر الرئيس حيث تعيش الأغلبية العظمى.
متوسط الرحلة في لاجوس رقم مذهل: أربع ساعات يوميا، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم.
من المرجح أن تزداد الأمور سوءا. ترحب لاجوس بمئات الآلاف من السكان الجدد كل عام.
تحسين البنية التحتية يتخلف بشدة عن النمو السكاني ووسائل النقل العام التي توفرها الدولة غير موجودة، والسفر يعتمد على الطريق بالكامل.
هذا يعني مزيدا من السيارات والشاحنات، والباصات الصغيرة، ومزيدا أكثر وأعم من الدراجات النارية، بعبارة أخرى، مزيد من التلوث.
هناك بعض الأمل في أن المدينة بدأت تأخذ نوعية الهواء على محمل الجد.
في حزيران (يونيو) الماضي، أعلنت حكومة ولاية لاجوس الجديدة خططا لإقامة ست محطات جديدة لمراقبة نوعية الهواء في كل أنحاء المدينة.
سيوفر ذلك بيانات مفيدة لصناع السياسة، وللسكان مثلا، الذين نتحقق من تطبيقاتنا بقلق شديد.
استخدام جهاز المراقبة فلو Flow كان في بعض النواحي مطمئنا. نوعية الهواء في شقتنا، ومنطقتنا ومدرسة ابنتي كانت أفضل عموما مما كنت أتوقع، في الأصل نحن ضمن سكان لاجوس الأكثر حظا.
عندما يكون الهواء سيئا بشكل خاص، يمكننا السفر من شقة مغلقة مكيفة في سيارة مغلقة مكيفة إلى وجهتنا المغلقة المكيفة.
ما يجب أن تكتشفه مدن مثل لاجوس هو كيفية توسيع الفقاعات الموجودة حول الأغنياء، حيث لا تعود ضرورية لأي شخص، حتى يتمكن الجميع من التنفس بسهولة أكبر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES