Author

الرد الصيني الناعم على احتجاجات هونج كونج

|


نجحت الصين كثيرا في الاستفادة من هونج كونج أو ما اصطلح على تسميتها بـ"الدجاجة التي تبيض ذهبا"، بعد استعادتها من بريطانيا في تموز (يوليو) من عام 1997 بأقل تكلفة وفق صيغة "بلد واحد ونظامان سياسيان"، خصوصا أن البريطانيين تركوها جزيرة مزدهرة ماليا واقتصاديا وصناعيا وسياحيا وإداريا، ناهيك عما أقاموا فيها من بنى تحتية متينة، فيما كانت الصين آنذاك تتلمس طريقها في الصعود والازدهار الاقتصادي من بعد عقود طويلة من الاشتراكية الماوية الكالحة والحكم الديكتاتوري العنيف.
غير أن ما فشلت فيه بكين لاحقا هو تدجين الشعب الهونجكونجي وإخضاعه لأنماط الحكم والتفكير السائدة في أقاليم البر الصيني بدلا مما اعتاد عليه في ظل الحكم البريطاني. وآية فشلها هي الاحتجاجات والمظاهرات التي ما انفكت هونج كونج تشهدها منذ عام 1997 التي بلغت ذروتها وعنفوانها، بل ارتدت طابعا عنيفا غير مسبوق، هذا العام كما هو معروف.
اليوم تحاول الصين، بعدما صارت ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، أن ترد على تمرد الهونجكونجيين، ليس بالأساليب العنيفة التي استخدمتها في قمع احتجاجات مواطنيها في ساحة "تيان إن مين" عام 1989 وتسببت في تنديد عالمي واسع بها، وإنما بتجريد جزيرتهم المزدهرة من مركزها الريادي الاقتصادي والمالي، وذلك عبر إيجاد بديل من صنع يدها وطبقا لمواصفاتها الخاصة وليس من صناعة البريطانيين ونموذجهم الغربي.
فطبقا لخطط صينية نشرت خبرها -دون إعطاء تفاصيل وافية- صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية المملوكة للدولة، تعتزم بكين تحويل مدينة شيزن "أو شنجن" الجنوبية التابعة إداريا لإقليم جوانجدونج المحاذي لهونج كونج إلى إحدى أفضل مناطق العالم لجهة التطور والازدهار والقوة الاقتصادية بحلول عام 2025. ولم تكتف الصحيفة بإعلان هذا المشروع بل أضافت - في ما يشبه تحبيط الهونجكونجيين من مستقبلهم ومستقبل جزيرتهم- أنه بتنفيذ الخطة الصينية المذكورة ستبدو هونج كونج متخلفة قياسا بمدينة شيزن، أو بمعنى آخر "إنكم أيها الهونجكونجيون تضيعون الفرص بشغبكم واحتجاجاتكم، وسيتخطاكم الزمن، وستخرجون مما تقومون به خاسرين".
أما عن أسباب اختيار مدينة شيزن الواقعة على نهر اللؤلؤ (مساحتها 2050 كيلومترا مربعا ويسكنها 12.5 مليون نسمة وكانت تسمى سابقا "باو آن") تحديدا كبديل لهونج كونج فليس لأنها قريبة، وتحد المستعمرة البريطانية السابقة من جهة الجنوب فحسب، وإنما أيضا لأسباب وعوامل أخرى: منها أولا أنها استطاعت خلال العقود الأربعة الماضية، منذ تأسيسها على يد الزعيم الإصلاحي "دينج هسياو بينج"، أن تتحول من قرية هادئة لصيادي الأسماك إلى قلعة تكنولوجية وصناعية بفضل تحويلها من قبل الحكومة المركزية عام 1980 إلى منطقة اقتصادية خاصة يتمتع فيها المستثمرون بامتيازات وإعفاءات كثيرة، فازدهرت فيها الأعمال والأنشطة الصناعية والتجارية والتصديرية والإنشاءات العمرانية كثيرا إلى حد إطلاق اسم "نيويورك الصين" و"عاصمة الكمبيوتر" عليها. ومنها ثانيا أنها خاضعة بإحكام لنظام رقابة إلكترونية صارم يمنع وصول الأخبار وانتشار المعلومات غير المرغوب فيها من تلك التي تعدها بكين مثيرة للفتنة وداعية للإصلاح السياسي أي على نحو ما حدث في هونج كونج لجهة المطالبة بالديمقراطية وحرية التعبير والاختيار. ومنها ثالثا رغبة النظام الصيني في تحقيق قدر أكبر من الاندماج بين هونج كونج ومكاو من جهة وإقليم جوانجدونج حيث تقع شيزن من جهة أخرى.
المراقبون الذين علقوا على الخطة الصينية الهادفة إلى إيجاد بديل لهونج كونج اتخذوا من العاملين الأخيرين سببا للقول إن العملية محكوم عليها بالفشل لأنه لا ازدهار ولا جذب للاستثمارات ورجال المال والأعمال دون مناخ من الحريات الكفيلة بمتابعة الأخبار وتداول المعلومات، وهو ما يحول دونه نظام الرقابة الإلكترونية سالف الذكر. إلى ذلك قلل المراقبون من احتمالات نجاح هدف الدمج بين المناطق الصينية المشار إليها في ظل أعمال التمرد والاحتجاج الشارعية المتكررة في هونج كونج التي ستجبر السلطات الصينية، لا محالة، على أخذ مزيد من الحيطة والحذر، وبالتالي تشديد إجراءات عبور الحدود من هونج كونج إلى أقاليم البر الصيني، وذلك طبقا لتقرير أمريكي.

إنشرها