Author

الحرب التجارية .. مصائب قوم عند قوم فوائد

|


خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا، تحديدا في 29 يونيو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جينبينج، هدنة جديدة في الحرب التجارية بين بلديهما، مع تعهد الأول بعدم فرض رسوم إضافية خلال فترة استئناف مفاوضات التجارة في شنغهاي، التي تعثرت. وجاء ذلك التطور بعد نحو عام من الشد والجذب والتصريحات الإعلامية النارية بين البلدين، على خلفية قرار ترمب في مارس 2018 بفرض رسوم بنسبة 25 في المائة على واردات بلاده من الصلب، و10 في المائة على واردات الألمنيوم، بهدف تخفيض العجز التجاري الأمريكي البالغ 566 مليار دولار في عام 2017 "منها نحو 375 مليارا مع الصين، أكبر منتج للصلب والألمنيوم في العالم"، وأيضا بهدف تحقيق الشعار الذي رفعه في حملته الانتخابية عام 2016، وهو "أمريكا أولا". علما بأن ترمب نفى أن يكون الخلاف مع الصين عبارة عن "حرب تجارية"، حيث غرد في أبريل 2018 قائلا: "لقد خسرنا الحرب منذ أعوام عديدة بسبب السفهاء والأناس غير الكفوئين الذين يمثلون الولايات المتحدة... لدينا عجز تجاري يبلغ 500 مليار دولار في السنة مع عجز آخر يبلغ 300 مليار دولار بسبب سرقة الملكية الفكرية.. لا يمكننا السماح لهذا بالاستمرار".
لا نريد في هذه العجالة تتبع مسار الحرب التجارية الأمريكية - الصينية مذاك حتى الآن، إنما الذي يعنينا هنا هو معرفة تداعياتها على البلدين المتنافسين وعلى الآخر. لاري كودلو، المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي، قال إن الحرب التجارية مع الصين ليست في مصلحة واشنطن، لأنها لن تجبر الشركات الصينية على دفع مليارات الدولارات للخزانة الأمريكية في صورة ضرائب ورسوم، إنما من سيتحمل تلك الرسوم؛ الشركات الأمريكية المستوردة، التي - بدورها - تحملها للمستهلك الأمريكي. وفي السياق ذاته، قال محللون وأكاديميون بارزون إن "الرسوم التي فرضت على شريحة كبيرة من الواردات، بدءا من الصلب، حتى الغسالات، كلفت الشركات الأمريكية والمستهلكين ثلاثة مليارات دولار في الشهر في صورة تكاليف ضريبية إضافية، يضاف إليها مليار و400 مليون دولار في صورة خسائر بسبب انخفاض الطلب".
أما بالنسبة إلى الطرف الآخر، وهو الصين، فإنها في رأي هؤلاء تبدو أقل خسارة، لأنها تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها، لذا فإنها حريصة على التشدد في المفاوضات "مع مواجهة العقوبات الأمريكية بعقوبات مماثلة"، خصوصا أنها متمسكة بسياساتها لجهة استمرار سرقة حقوق الملكية الفكرية وحماية شركاتها المملوكة للدولة وحقوق عمالها، وبالتالي الذود عن نظامها السياسي. والمعروف أن حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يبلغ نحو 19 تريليون دولار في مقابل نحو 12 تريليون دولار في حالة الصين. وإذا كان البعض يراهن على ارتفاع حجم الناتج المحلي الصيني إلى المستويات الأمريكية من خلال معدلات النمو الصينية المتسارعة، فإن هذه المعدلات صارت أقل تسارعا اليوم، إذ انخفضت من 10 في المائة - 7 في المائة خلال العقود الماضية إلى 2.9 في المائة اليوم، بسبب ارتفاع تراجع معدلات التجارة والتصنيع وتصاعد التوترات على المستوى العالمي. من جانب آخر، تحدثت بعض التقارير عن الآثار السلبية لهذه الحرب التجارية في نحو 360 ألف طالب صيني يدرس في الجامعات الأمريكية. فهؤلاء تتملكهم المخاوف من "إمكانية توظيفهم بشكل أو بآخر في الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، أو احتمال التمييز ضدهم. ويبدو التحذير الصادر من السلطات الصينية بشأن مخاطر الدراسة في الولايات المتحدة جاء لتبرير هذه المخاوف".
عالميا، ستؤثر هذه الحرب التجارية بين القطبين الاقتصاديين الأقوى في العالم، في المستثمرين، ما سيدفع مؤشرات أسواق المال إلى التراجع جراء حالة عدم اليقين حول المستقبل.
لكن هناك مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، بمعنى أن الأضرار الناجمة عن هذه الحرب التجارية قد تصب في مصلحة أطراف ثالثة. من هذه الأطراف روسيا، التي ستحصل على مواقف تفاوضية أقوى بوقوف الصين خلفها في الملفين الإيراني والسوري نكاية بالأمريكان. ومن هذه الأطراف أيضا دول الشرق الأوسط المنتجة للطاقة. وحسب شبكة "بلومبيرج"، في حال فرضت بكين رسوما 25 في المائة على البولي إيثيلين والبروبان السائل اللذين هما من بين 106 سلع أمريكية مستهدفة، فإن الصين تحتاج إلى بديل لنحو 2.3 طن متري من هاتين السلعتين، وهو ما لا يتوافر إلا في أسواق الشرق الأوسط.
وأخيرا، نأتي إلى مستفيد آخر هو فيتنام، التي لئن كانت أقل شأنا من الصين اقتصاديا وصناعيا وقدرات تصديرية، إلا أنها شقت طريقها بنجاح مشهود في عالم التصنيع من أجل التصدير، وباتت قادرة على تلبية طلبات الأسواق الأمريكية من السلع الاستهلاكية، ناهيك عن أنها تمتلك مزايا، منها أن اقتصادها حقق العام الماضي نموا 7.1 في المائة، ولديها أسواق داخلية قوامها 96.5 مليون نسمة من المستهلكين معظمهم من الطبقة الوسطى الصاعدة، وقطاعان صناعي وزراعي يتطوران باستمرار، وشبكة جيدة من البنى التحتية، ومنظومة قانونية للحد من الفساد، وعمالة مؤهلة رخيصة، واتفاقات للتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وشراكات مع الهند وأستراليا واليابان. لهذا كله، فإن أي عقوبات محتملة تفرضها واشنطن على بكين؛ ستؤدي إلى خروج الشركات المستثمرة في الصين من الأخيرة إلى فيتنام باعتبارها مكانا ملائما وبديلا.

إنشرها