هيمنة مخاطر التطورات السلبية

اشتدت حدة مخاطر التطورات السلبية منذ صدور عدد أبريل 2019 من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي". تتضمن هذه المخاطر تصاعد توترات التجارة والتكنولوجيا، واحتمال امتداد فترة تجنب المخاطر وهو ما يكشف عن تراكم مواطن الضعف المالي طوال الأعوام التي شهدت انخفاض أسعار الفائدة، والتوترات الجغرافية-السياسية، وتصاعد الضغوط المضادة للتضخم التي تفضي إلى استمرار الصدمات المعاكسة لفترات أطول.
عانت ثقة الأعمال وحالة مزاج الأسواق المالية صدمات متكررة منذ مطلع عام 2018 نجمت عن سلسلة لا تزال تتكشف من إجراءات الولايات المتحدة بشأن التعريفات الجمركية، والإجراءات الانتقامية من شركائها التجاريين، وامتداد فترة عدم اليقين بشأن انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. واتسع نطاق التوترات في مايو ليشمل الإجراءات المحتملة في الولايات المتحدة حيال شركات التكنولوجيا الصينية وتهديدات الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على المكسيك في ظل عدم وجود إجراءات لكبح الهجرة عبر الحدود. وبينما خفت حدة هذه التوترات في يونيو، لا يزال التوصل إلى اتفاقيات دائمة لتسوية هذه الخلافات خاضعا لاحتمال امتداد فترة المفاوضات وصعوبتها. ويتمثل عنصر المخاطرة الرئيسي أمام الاقتصاد العالمي في أن تفضي التطورات المعاكسة - بما فيها فرض مزيد من التعريفات الجمركية على التجارة بين الولايات المتحدة والصين، أو التعريفات الجمركية على السيارات في الولايات المتحدة، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق – إلى تقويض الثقة، وإضعاف الاستثمار، واضطراب سلاسل العرض العالمية، وإبطاء النمو العالمي بشكل حاد إلى دون مستوى السيناريو الأساسي.
أدت زيادة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في مايو إلى حدوث تدهور سريع في الإقدام على المخاطر على مستوى العالم. وبينما تحسن المزاج في يونيو، هناك كثير من الدوافع المحتملة للمرور مجددا بفترات مماثلة من تجنب المخاطر، منها استمرار تصاعد التوترات التجارية، أو امتداد فترات عدم التيقن من اتجاه سياسات المالية العامة وتفاقم ديناميكيات الدين في بعض البلدان ذات المديونية المرتفعة، أو اشتداد حدة الضغوط في الأسواق الصاعدة الكبرى التي تشهد حاليا عمليات صعبة من التصحيح الاقتصادي الكلي مثل الأرجنتين وتركيا، أو تباطؤ النشاط على نحو أشد من المتوقع في الصين التي تواجه ضغوطا متعددة على النمو بسبب التوترات التجارية والحاجة إلى تعزيز النظم المحلية. والمرور بفترة من تجنب المخاطر، حسب درجة حدتها، يمكن أن يكشف عن مواطن الضعف المالي التي تراكمت خلال أعوام انخفاض أسعار الفائدة نظرا لأن المقترضين الذين يعتمدون على الرفع المالي بشكل كبير يجدون صعوبة في تمديد ديونهم، فضلا عن تراجع التدفقات الرأسمالية من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات الواعدة.
تراجعت المخاوف من الدوامات المضادة للتضخم أثناء فترة الصعود الدوري من منتصف 2016 إلى منتصف 2018. وظهرت هذه المخاطر مجددا مع بطء النمو العالمي وهبوط التضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة. ويؤدي انخفاض التضخم وانخفاض التوقعات التضخمية الراسخة إلى زيادة مصاعب خدمة الدين أمام المقترضين، كما يؤثر في الإنفاق الاستثماري في قطاع الشركات، ويحد من الحيز الذي تتيحه السياسة النقدية أمام البنوك المركزية لمواجهة الهبوط الاقتصادي، الأمر الذي يعني أن النمو قد يظل منخفضا بصفة مستمرة في حالة مواجهة أي صدمة معاكسة.
لا يزال تغير المناخ يهدد الصحة والمقدرات في كثير من البلدان، وكذلك النشاط الاقتصادي العالمي بوجه عام. وتظل استراتيجيات تخفيف آثار السياسات المحلية عاجزة عن كسب تأييد المجتمع على نطاق واسع في بعض البلدان. وفي الوقت نفسه، فإن إحجام بعض البلدان الكبرى عن المشاركة يوهن التعاون الدولي. أما المخاطر الأخرى التي سبقت مناقشتها في عدد أبريل من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" فقد برزت بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة، ولا سيما تصاعد التوترات الجغرافية السياسية في منطقة الخليج. وفي الوقت نفسه، تؤدي الصراعات الأهلية في كثير من البلدان إلى إثارة مخاطر من تكبد خسائر إنسانية مروعة، ومن ضغوط الهجرة في البلدان المجاورة، كما يفضي اقترانها بالتوترات الجغرافية-السياسية إلى زيادة التقلب في أسواق السلع الأولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي