Author

الرياض نحو روابط استراتيجية أقوى مع الشرق

|


زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية ووزير دفاعها، الرسمية إلى كوريا لا يمكن قراءتها من زاوية أنها مجرد زيارة لمسؤول سعودي كبير لدولة آسيوية صاعدة فقط. إذ إن الزيارة تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الثنائية الوطيدة بدأت في السبعينيات في أوج خطط التنمية السعودية الأولى التي أسهمت فيها الشركات الكورية الإنشائية العملاقة بكل ما أوتيت من خبرة في التنفيذ ودقة في العمل وانضباط في السلوك.
والمتابع لسير هذه العلاقات يجد أنها استمرت ولم تتأثر قط بالمتغيرات الدولية الكثيرة منذ ذلك التاريخ، بل الحقيقة أنها توسعت وتنامت باطراد في ظل سياسة الرياض المعلنة بالتوجه شرقا لبناء تحالفات استراتيجية طويلة مع الدول الآسيوية الصاعدة في مجالات التصنيع والاستثمار والتكنولوجيا والتعليم المتطور والخدمات الطبية وتطوير البنى التحتية، وفي ظل حاجة سيئول المتزايدة من النفط للوفاء بحاجتها في عملية التصنيع والازدهار الاقتصادي.
وإذا كانت سياسة السعودية - التوجه شرقا - قد شهدت أقوى تجلياتها في عهد خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز حينما اتخذت الرياض قرارا صائبا بالانفتاح الواسع على الهند والصين وكوريا واليابان وبناء شراكات اقتصادية واستراتيجية مع هذه القوى البشرية والاقتصادية والصناعية العملاقة، فإن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، المتميز بكسب مزيد من الحلفاء وتنويع مصادر الدخل القومي وفق "رؤية 2030"، سيشهد مزيدا من المساعي للارتقاء بعلاقات الرياض مع هذه القوى الساعية من أجل الخير والسلام والازدهار في العالم، بعيدا عن الأيديولوجيات والخرافات والأساطير التي تهيمن على توجهات بعض الأنظمة في المنطقة كما في حالة النظام الإيراني الكهنوتي الأرعن.
ويمكن قراءة زيارة ولي العهد السعودي إلى سيئول، وهي الأولى له من بعد زياراته التاريخية في العام الماضي إلى الهند والصين، من زاوية أخرى تتمثل في ضرورة الرهان أكثر فأكثر على القوى الآسيوية الكبيرة، بعدما ثبت أن القوى الأوروبية مترددة في اتخاذ مواقف صريحة وواضحة من المخططات والأعمال الإرهابية الإيرانية في المنطقة، بدليل مواقف لندن وبرلين وباريس المتوافقة مع مواقف موسكو في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم 26 حزيران (يونيو) الماضي التي دعت إلى ضرورة المحافظة على الاتفاق النووي المبرم مع طهران عام 2015، بل وضرورة التوصل إلى تفاهمات أمنية في الخليج مع النظام الإيراني على غرار "اتفاقيات هلسنكي" ولكأنما إيران دولة سوية تعترف بالقانون الدولي وتحافظ على كلمتها وتكف شرورها عن الآخر.
وإن زيارة ولي العهد السعودي إلى كوريا تلتها زيارة إلى طوكيو لتمثيل المملكة في قمة العشرين لهذا العام في مدينة أوساكا اليابانية. وهذه مناسبة مهمة أخرى استثمرها الضيف السعودي للعمل يدا بيد مع رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي العائد للتو من طهران خالي الوفاض بعد أن منى نفسه بلعب دور حمامة السلام في النزاع الأمريكي ـ الإيراني، فقابل الإيرانيون وساطته النبيلة بالرفض والإهانة التي تمثلت في استهدافهم ناقلة نفط يابانية في بحر عمان يوم 13 تموز (يونيو)، وذلك في صورة من صور الغرور والاستعلاء غير الغريبة عليهم.
واللافت هنا أن الزعيم الياباني استبق زيارة الضيف السعودي الكبير بتأكيد دور الرياض المؤثر في السلام والازدهار في المنطقة والعالم، والإشادة بالمملكة كحليف استراتيجي لبلاده في تشجيع التجارة الحرة والابتكار والنمو الاقتصادي المستدام وتأهيل الموارد البشرية والمحافظة على الأمن والسلام الدوليين، مثمنا في الوقت نفسه شخص الأمير محمد بن سلمان ودوره في الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين. وأعرب شينزو آبي في حوار نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" (26 /6/ 2019) عن استهجانه من الهجوم الذي تعرضت له السفينة اليابانية وإدانته للعمل "الإيراني" الجبان، لكنه في المقابل أثنى على السعودية كلاعب سلام أساسي في المنطقة، ودولة تسعى للإصلاح وتحقيق إنجازات تسر اليابان وتشجعها على التعاون معها.
يذكر أن تاريخ الاتصالات بين البلدين الصديقين يعود إلى عام 1938 حينما زار اليابان المستشار في الديوان الملكي وقتذاك حافظ وهبه كموفد من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لحضور افتتاح مسجد في ضاحية يويوجي، وهي الزيارة التي تبعها استقبال الرياض لمبعوث اليابان إلى مصر موسايوكي يوكوهاما كأول موفد لليابان إلى السعودية. أما العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين فقد تأسست في عام 1955 فكانت السعودية بذلك أول قطر خليجي، بل من أوائل الأقطار العربية التي أقدمت على ذلك، علما أن هذه العلاقات والروابط تعززت في عام 1957 باختيار اليابان للسعودية كوجهة لأول استثماراتها في منطقة الشرق الأوسط، ونعني بهذا استثمارها في قطاع النفط السعودي من خلال حصولها على حق التنقيب عن النفط وإنتاجه وتصديره من المنطقة المحايدة بين المملكة والكويت. وفي عام 1971 شهدت علاقات البلدين تفاهمات أوسع في أعقاب زيارة قام بها الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز في تلك السنة لطوكيو، فكان أول زعيم خليجي يحل في اليابان.

إنشرها