الشعور بالندم أداة فعالة في صنع القرار

التعامل مع الندم يعد بمنزلة تجربة إنسانية شاملة. فجميعنا اتخذنا خيارات خاطئة أو غبية في مرحلة من حياتنا ندمنا عليها لاحقا. وجميعنا شعرنا بخيبة الأمل والحزن على أمور حدثت. ولكن في الوقت الذي يجعلنا الندم نتذكر أننا اتخذنا قرارات خاطئة، إلا أنه يعلمنا أننا نستطيع تحقيق ما هو أفضل.
يبدو أن أكثر الخيارات التي ندمنا عليها تتمحور حول خيارات مصيرية مثل التعليم والمهنة والأبوة والزواج وحياتنا العاطفية. وذلك غير مفاجئ كون الخيارات المرتبطة بتلك الأمور تترتب عليها عواقب على المدى الطويل. كما ينتابنا الشعور بالندم على أمور أخرى تتعلق بالمال والصحة والصداقة والسفر، حتى وإن أدت إلى حياة تقليدية.
ومع ذلك، عند سؤالي لعديد من الأشخاص عن المرات التي شعروا بها بالندم، ادعوا أنه لا يوجد لديهم شيء يدعو للندم. في الحقيقة يبدو أنهم يقاومون التعبير عن شكوكهم أو التفكير في جزء من حياتهم وتصرفات وقرارات اتخذوها لم تجلب لهم الراحة. ربما يعكس هذا التجاهل الخوف الوجودي من مواجهة الأجزاء المظلمة في شخصياتنا.

تأثير النرجسية والشيخوخة في الشعور بالندم
يقوم بعض الأشخاص بالعكس تماما ولا ينفكون يشعرون بالندم طوال الوقت. قد تقود تلك العادة إلى الاكتئاب ولوم الذات، وعواطف جياشة تترتب عليها آثار على الصعيد العصبي والمعرفي.
تعتمد شدة ندمنا على توازننا النرجسي إلى حد كبير. فالأشخاص الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس أكثر عرضة للشعور بالندم، ما يعوق شعورهم بتقدير الذات بشكل أكبر. فعلى الرغم من كون رغبتهم في مواجهة الندم تستحق التقدير، لكن على ما يبدو يصعب عليهم التعامل معها، ما يجعلهم بدورهم يخشون المخاطرة ويخافون اتخاذ قرارات خاطئة. فإن تكون عالقا بين الندم على الماضي والخوف من المستقبل ليس وضعا تحسد عليه.
تؤثر الشيخوخة أيضا في طريقة تعاملنا مع الندم، كوننا ندرك أن وقتنا على هذا الكوكب بدأ في النفاد، فمن المرجح أن نفكر في الماضي ونحاول معرفة الأخطاء التي ارتكبناها. قد يؤدي ذلك إلى تقبل محدودية إمكانياتنا، الذي بدوره يخفف من حدة الندم ويولد طاقة جديدة للحياة. بالنسبة للبعض قد يؤدي ذلك إلى الانغماس في المرارة.
عندما تتقلص فرص التغيير بسرعة نصبح أكثر انفتاحا على تقييم الأشياء التي قمنا بها بطريقة واقعية. وندرك لحسن الحظ أن الدروس الحياتية قد تكون سببا لعدم شعورنا بالندم مستقبلا وتساعدنا على العيش بطريقة أفضل.

الندم والمساعدة على البقاء
غالبا ما يستحضر الكلام عن الندم تجارب ومشاعر سلبية مثل الحزن والخجل والانزعاج والغضب والشعور بالذنب. عند الإشارة إلى ذلك ومن وجهة نظر تطورية، قد يساعد الندم على البقاء.
قد يكون الندم بناء نفسيا مرتبطا بعملية صنع القرار وخاصية التعلم والتكيف. ويرغمنا على الانخراط في تحليل رجعي لفهم طريقة تفكيرنا أو تصرفنا حينها. تساعدنا تلك المراجعة على رؤية أنماط وسلوكيات أسهمت في تكوين شخصيتنا، ولكنها أيضا أبعدتنا عن حياة أخرى.
قد نتمكن من خلال تحليل الندم والتغلب على ماضينا من عمل الأمور بطريقة صحيحة. فقد يكون الندم دافعا إيجابيا لإيجاد حلول بناءة جديدة والمضي قدما. لذا وبأكثر من طريقة، فإن الندم هو الطريقة التي يخبرنا بها دماغنا بإعادة التفكير في خياراتنا، أي الإشارة إلى أن بعض تصرفاتنا تترتب عليها عواقب سلبية، ومحاولة القيام بالأشياء بطريقة مختلفة مستقبلا.
للأسف على الرغم من الدلالات المهمة التي ينطوي عليها الندم، إلا أن معظمنا لا يعيرها أهمية. ففي الوقت الذي نحاول فيه تخفيف مستوى الضغوط التي نتعرض لها، مثل توضيح أهدافنا المهنية، وتحسين نظامنا الغذائي، وتعزيز مواردنا المالية، والتعامل مع جميع الأمور الأخرى، نتردد في التعامل مع الأمور التي ندمنا عليها. الانفتاح تجاه تلك الأمور كفيل بتحسين الطريقة التي ننظر بها لأنفسنا ويساعدنا على تجنب السيناريوهات الخاطئة مستقبلا، باختصار، من شأنه تحسين مهاراتنا مستقبلا فيما يتعلق بعملية صنع القرار.

نسخة محسنة عن أنفسنا
عندما نشعر بالندم، لا يكمن التحدي في تغيير الماضي، بل على العكس، في تسليط الضوء على المستقبل. فنحن لا نستطيع تغيير ما حدث ولكننا نستطيع تحسين تصرفاتنا وأسلوب حياتنا مستقبلا. فتحليل عيوبنا من شأنه ردعنا عن التصرف بطريقة خاطئة مجددا. وكوننا ندمج خبراتنا تلك في قراراتنا وتصرفاتنا، سيقلل ذلك من شعورنا بالندم، ويساعدنا على الرؤية بشكل أوضح والاستفادة من الفرص التي قد تضيع منا من دون ذلك.عندما نقوم بتعويض الأشخاص الذين سببنا لهم الأذى، قد نتقبل فكرة أن بعض الأحداث كانت خارجة تماما عن سيطرتنا.
عوضا عن تفادي الشعور بالندم، من الحكمة التعامل مع تلك المشاعر طالما أنها لن تؤثر فينا في بقية حياتنا. يجب أن نتعلم كيف نستفيد من الندم بطريقة بناءة وأن نسامح أنفسنا على أخطائنا. نأمل أن تساعدنا الأمور التي تكشفت عند شعورنا بالندم على اتخاذ قرارات أفضل لا تشعرنا بالندم غدا على الطريقة التي عشنا بها حياتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي