Author

إعلام الهاتف الذكي .. إلى أين؟

|


التطورات الكبيرة التي لامست الإعلام في العقدين الأخيرين حولت الإعلام من مهنة كان يمارسها المختصون إلى هواية يمارسها المواطن في أي موقع من مواقعه المنتشرة في كل أرجاء الأوطان، بمعنى أن إعلام الهاتف الذكي أو الهاتف المحمول، أصبح عالمي الهوى أممي الانتشار والتفاعل.
ولذلك، فإن أول التغيرات التي طرأت على الإعلام، هو إطلاق مجموعة من المسميات المستوحاة من الممارسات الفعلية للإعلام، مثل إعلام الهاتف الذكي، أو إعلام الهاتف المحمول، أو إعلام المواطن، أو الإعلام الشعبي، أو الإعلام التفاعلي، أو إعلام الشارع.. حتى إعلام التواصل الاجتماعي!
يضاف إلى ذلك، فإن التطورات التي طرأت على الإعلام لم تعد وقفا على المسميات، بل لامست التغيير الهيكلي لمؤسسات الإعلام.
ولذلك، فإن الإعلام لم يعد الآن وقفا على وزارات الإعلام أو مؤسسات الإعلام، بل أصبح حقا مكتسبا، يمارسه أي مواطن في أي مكان في العالم، ما حمل بعض الدول إلى إلغاء وزارات الإعلام، أي أن الإعلام لم يعد يتمثل في منصاته التقليدية المعروفة: الصحافة الورقية، والإذاعة، والتلفزيون، وأصبحت له منصات وتطبيقات تقدر بالآلاف.
والجديد، أن الإعلام لم يعد يصدر من جهة لها شرعية الممارسة، بل أصبح يصدر من أي شخص أو مؤسسة ترى أنها في حاجة إلى ممارسة حقوق الإعلام والإعلان، واستخدام المنصات العصرية التي يتوافر فيها قدر كبير من الحرية، وقدر أكبر من التشاركية والتفاعلية.
أصبحت الهواتف الذكية أداة إعلامية متكاملة يستطيع من خلالها المراسل أن يعد تقريرا إعلاميا مصورا مكتمل الأركان للنشر المباشر في وسيلته أو منصته الإعلامية، والأكثر من هذا أن الهواتف الذكية الحديثة مزودة بكاميرات عالية الدقة توفر صورة ذات جودة عالية.
كذلك، أضافت التطبيقات الجديدة التي تستخدمها الهواتف الذكية ميزات إضافية إلى وظائف إعلام الهواتف الذكية، وأكدت هذه التطبيقات أن الهواتف الذكية تقوم بكل العمليات الفنية للرسائل الإعلامية دون الحاجة إلى مصورين أو منتجين، وبذلك أسهم إعلام الهاتف المحمول في تخفيض تكاليف المنتج الإعلامي.
إن إعلام المواطن أو إعلام الهاتف المحمول، هو الإعلام الذي يصنعه أو يشترك في صنعه المواطن، ووسيلته الرئيسة في ذلك هي استخدام الهاتف المحمول واستخدام المنصات والتطبيقات الإعلامية الجديدة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي، وبذلك تحول الهاتف المحمول من وظيفة الاتصالات الشخصية إلى القيام بالوظيفة الإعلامية بكل أبعادها ومهامها وأهدافها حتى اكتسب مسمى "إعلام الهاتف المحمول الذكي"!
ولعل أهم ما يتميز به إعلام الهاتف المحمول، هو التطور الكبير في المحتوى، حيث لم يعد الاهتمام مقتصرا على المحتوى التقليدي، بل أصبح محتوى يتميز بكل المزايا الرقمية التي توفرها تكنولوجيا المعلومات للإعلام الجديد.
وأمام زحف وانتشار إعلام الهاتف الذكي أو إعلام المواطن، فقد شهدت - كما ألمحنا - مؤسسات الإعلام التقليدية، مجموعة من التحولات الهيكلية التي فرضتها بيئة الإنترنت بصفته وسيطا إعلاميا جديدا يمتاز بالسهولة والتفاعلية والرقمية، وبذلك تطورت وظائف الهاتف المحمول من مجرد وسيلة اتصالية إلى مركز إعلامي شامل قادر على إرسال الرسالة الإعلامية بكل احترافية ومهنية، وأصبح الهاتف الذكي المحمول قادرا على نقل الأحداث مصورة، وبصورة فورية دون وجود كاميرات تقليدية، وبذلك أصبح إعلام الهاتف المحمول المصدر الأساس للرسائل الإعلامية حتى عند الإعلاميين المحترفين، الذين باتوا يستخدمون الهاتف المحمول في تنفيذ جميع عمليات رسائلهم الإعلامية. بمعنى أن الهاتف المحمول لم يعد مجرد آلة تستخدم للاتصالات الضرورية فحسب، ولم يعد وسيلة لأداء الأدوار نفسها التي تقوم بها الوسائل الإعلامية التقليدية، بل أصبح الهاتف المحمول يؤدي بكفاءة عالية مجموعة من الوظائف، مثل الاتصال، والإعلام، والإخبار، والترفيه، والإعلان، أي أن الهاتف المحمول يستثمر مجموعة من الإمكانات الفنية المتاحة، مثل الإنترنت والصحافة والإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى وظائف الهاتف الثابت، ما يجعل الهاتف المحمول وسيلة إعلامية تقوم بجميع وظائف الوسائل التقليدية بكفاءة عالية وجودة شاملة، بل إن المستقبل يراهن على أن الهاتف الذكي سيطرح مزيدا من المزايا التي تميزه عن سواه من تقنيات الإعلام الجديد!
وسيستمر الرهان ليس على إمكانات الهواتف الذكية، إنما على مهارات المستخدم للهواتف الذكية، فالشركات المنتجة للهاتف المحمول لم تتوقف عند المزايا التكنولوجية التي بلغتها حاليا، فهناك منافسة شرسة من قبل عديد من الشركات على تزويد الهاتف المحمول بكثير من المزايا والتسهيلات المبهرة!
والخلاصة، إن الهاتف المحمول أصبح من أبرز وسائل الاتصال بين الناس، بل أسلوب حياة لكل الناس وفي أي مكان من العالم، ولمزاياه التي ذكرناها، فقد بات أداة إعلامية متعددة الإمكانات ويتميز بجودة عالية في الكتابة والتصوير الفوري الحي، إضافة إلى دوره الاجتماعي المهم في تنمية وتعزيز العلاقات الإنسانية بين طبقات المجتمع المحلي والعالمي كافة.

إنشرها