default Author

الحماية الاجتماعية ومستوى الفقر .. عالميا «1من 2»

|

"العالم لا يفتقر إلى الموارد اللازمة للقضاء على الفقر لكنه يفتقر إلى تحديد الأولويات السليمة"، هذا ما جاء على لسان خوان سومافيا، المدير العام السابق لمنظمة العمل الدولية، في عام 1999.

ربما نكون قد أحرزنا بعض التقدم في هذا الشأن خلال العقود الأخيرة، إلا أن العالم يظل مكانا حافلا بالبؤس بالنسبة لأكثر من نصف سكانه. وما من أحد في هذه الأغلبية إلا ويعاني واحدة على الأقل من الآفات الاجتماعية الثلاث التي صنعها الإنسان أو التي يتحمل أعباءها على أقل تقدير، وهي انعدام المساواة البين، وانعدام الأمن الموهن، والفقر اللاإنساني. وقد تعلمنا على مدار أكثر من قرن من الزمن ما يمكن عمله لتحسين الأمور. فالحماية الاجتماعية الفعالة والناجزة قادرة على الحد من عدم المساواة والفقر من خلال التحويلات النقدية والعينية. وتوفير المستوى الأساسي الصلب من الحماية الاجتماعية هو أمر في متناول الجميع وقابل للتنفيذ في كل مكان تقريبا، ويمكن تحقيقه في الوقت الحالي أو في القريب العاجل بعد الاستثمار قليلا في الحوكمة الرشيدة على أقل تقدير.
لقد ظل المجتمع الأممي لعقود طويلة يستخدم بوصلة أخلاقية عالمية في سياق جهود الحماية الاجتماعية. فمنذ صدور توصيات منظمة العمل الدولية لعام 1944 بشأن تأمين الدخل والرعاية الصحية -الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 - تم إقرار الحماية الاجتماعية باعتبارها أحد حقوق الإنسان. وفي فترة أقرب، جاءت توصية منظمة العمل الدولية رقم 202 في عام 2012 بشأن "أرضيات الحماية الاجتماعية الوطنية" و"أهداف التنمية المستدامة"، التي اعتمدها مؤتمر قمة الأمم المتحدة في عام 2015، لترسخ مضمون حق الحماية الاجتماعية.
وتقدم التوصية 202 الإرشادات حول إرساء الحماية الاجتماعية الأساسية، مع تحديد هدفها المزدوج من أجل تحقيق "أمن الدخل والرعاية الصحية" بما يكفل "إمكانية الحصول على السلع والخدمات الأساسية". ويتمثل الهدف الرئيس لهذه التوصية في توفير الحماية الشاملة "لجميع المحتاجين".
وعلى النهج نفسه، تتبع "أهداف التنمية المستدامة" جدول أعمال واسع النطاق يتضمن توفير التحويلات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الضرورية الأخرى. وتتمثل أهم أهداف الحماية الاجتماعية في "إعمال نظم وتدابير ملائمة في مجال الحماية الاجتماعية على الصعيد الوطني من أجل الجميع" وتحقيق التغطية الصحية الشاملة، بما في ذلك الحماية من المخاطر المالية".
لكن ما الذي يمنعنا عن إحراز تقدم أكبر نحو تحقيق العدالة الاجتماعية؟
غالبا ما كان يتم تصوير تحويلات الحماية الاجتماعية الممولة من الدولة على أنها غير قابلة للاستمرار وضارة بالتنمية الاقتصادية. فقد استند كثير من الاستراتيجيات الاقتصادية والإنمائية التي انتهجتها الحكومات والمجتمعات إلى معتقدات اقتصادية خاطئة؛ منها المفاضلة المزعومة بين الأداء الاقتصادي وإعادة توزيع الدخل، والنظرية القائلة إن أثر التقاطر سيحد تلقائيا من الفقر وعدم المساواة مع تطور الاقتصادات. ويتضح من الواقع والبحوث أن هذه ليست سوى معتقدات خاطئة. فكل الاقتصادات المتقدمة في واقع الأمر لديها نظم موسعة للحماية الاجتماعية ويراوح إنفاقها عليها بين 20 و27 في المائة من إجمالي الناتج المحلي أو يزيد. وليست هناك أدلة على أن هذه الاقتصادات ضحت بقدر كبير من مستويات نموها في سياق مكافحة الفقر وعدم المساواة وانعدام الأمن. ولو كان المعتقد الخاطئ بشأن أثر التقاطر صادقا ما كنا لنشهد هذا التباين الكبير في مستويات الفقر وعدم المساواة بين البلدان التي تتشابه فيها مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. فالأسواق -إذا ما تركت لها حرية التصرف- لن تنشئ طرقا جديدة لإعادة توزيع الدخل بخلاف تحويلات الثروة أو تقاسم الدخل بين أفراد العائلة أو الأقارب... يتبع.

إنشرها