Author

«الجوع صفر» تجربة البرازيل الاقتصادية

|


طلبت منظمة الأغذية والزراعة العالمية للأمم المتحدة "الفاو" FAO من الأكاديمي والباحث الدكتور محمد عبدالله الريح ترجمة كتاب الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سلفا "الجوع صفر -ZERO HUNGER"، الذي يحكي واحدة من أهم التجارب الاقتصادية الناجحة في العالم التي نقلت البرازيل من الفقر والجوع والديون والتخلف الإداري، إلى بلد متقدم ينافس الدول الصناعية. وقد بعث لي الدكتور الريح، وإلى مجموعة من الأصدقاء، ملخصا لترجمة الكتاب الثري بالمعلومات، ومما لخصه الدكتور الريح لنا وأنقله للقارئ هنا، تلك الحقبة المظلمة التي عصفت بالبرازيل في الثمانينيات الميلادية، جراء أزمتها الاقتصادية التي هوت بكل شيء؛ فانخفض سعر العملة، وأغلقت المؤسسات والشركات، وارتفعت معدلات البطالة، فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولي كخيار وحيد لحل أزمتها الاقتصادية ولتخضع لحزمة من الشروط المجحفة، ما أدى إلى الانهيار التام، وتسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين، وإلغاء الدعم، واشتعال الأوضاع السياسية.
وأصبح 1 في المائة فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي، وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع خمسة مليارات دولار، معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة.
تدهورت الأمور أكثر، وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين، والأكبر في معدل الجريمة، وتعاطي المخدرات، والديون في العالم، الدين العام تضاعف تسع مرات في 12 عاما. وهدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها أي مبلغ في نهاية 2002.
انهارت العملة "الدولار وصل إلى 11 ألف كروزيرو"، واعتقد العالم أن البرازيل على شفا الانهيار الأخير والتفكك السياسي.
عام 2003 حمل معه مبشرات الانفراج وانتخب البرازيليون رئيسهم "لولا دا سيلفا" الذي ولد فقيرا، وعمل ماسحا للأحذية وعانى بنفسه الجوع والحرمان وتبعات الانهيارالاقتصادي.
بدأ الرئيس إصلاحاته بالقضاء على الفساد، والتقشف في المصروفات العامة والتركيز على تحفيز قطاعات الإنتاج الكبيرة؛ الصناعة، التعدين، الزراعة ثم تطوير التعليم، واختار برنامجا خاصا ومدروسا بعناية لانتشال الطبقة الفقيرة بالدعم الاجتماعي، من خلال وضع بند في الموازنة العامة للدولة أسماه "الإعانات الاجتماعية المباشرة" وقيمته 0.5 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للدولة، ويصرف في صورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة، تم توجيه الدعم إلى 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلي، بمعدل 735 دولارا للأسرة.
معتمدا في ذلك على رفع الضرائب عن رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب مقابل منحهم "تسهيلات" كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الأراضي مجانا وتسهيل التراخيص. وإعطاء قروض بفوائد صغيرة. ساعدتهم في فتح أسواق جديدة، وساعدت إعانات الفقراء في تنشيط السوق، وزيادة القوة الشرائية لمنتجات رجال الأعمال، فتضاعف حجم مبيعاتهم وبدأ الركود ينفض غباره.
بعد ثلاث سنين فقط عاد مليونا مهاجر برازيلي، وجاء معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل.
في أربع سنوات "مدة رئاسية واحدة" سدد كل مديونية صندوق النقد..!
بل إن الصندوق "اقترض" من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية في 2008، أي بعد خمس سنين فقط من حكم "لولا دا سيلفا"..!
وهو الصندوق نفسه الذي كان يريد أن يشهر إفلاس" البرازيل في 2002، ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض.
البرازيل واصلت نهوضها القوي وأصبحت تصنع الطائرات "أسطول طائرات الإمبريار برازيلية الصنع"، ودشنت أول غواصة نووية، (خمس دول فقط في العالم تصنع غواصات نووية هي: أمريكا - روسيا - الصين - بريطانيا - فرنسا).
أول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا ولكنها ستدشن الغواصة الثانية في 2020 والثالثة في 2022 بصناعة برازيلية خالصة.
تستحق تجربة البرازيل أن تدرس في كل دوائر صناعة التنمية، وكان من أهم أسباب نجاحها صناعة نموذج تطور خاص بها انطلقت من مكامن القوة وعالجت مراكز الضعف واستثمرت في صناعة الإنسان، مبتعدة تماما عن النماذج المقولبة والحلول المستوردة.

إنشرها