نقطة الغليان .. إشكالية مناخية «3»

تعهدت حكومات بلدان جنوب شرقي آسيا، التي تدرك تماما حجم التهديد، بخفض الانبعاثات. كذلك تدرك ضرورة التحرك نحو استراتيجيات تنموية منخفضة الكربون. ووافق قادة الآسيان على خطة تستهدف حصة قدرها 23 في المائة من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في المنطقة بحلول عام 2025، مقابل 10 في المائة في عام 2015. كذلك فإن الحاجة إلى الحد من إزالة الغابات تظهر بشكل بارز في جداول أعمال السياسات الوطنية والإقليمية.
غير أن تخفيضات الانبعاثات المتعهد بها مشروطة جزئيا أو كليا بالتمويل الدولي. فقد تعهدت إندونيسيا بخفض الانبعاثات بنسبة 29 في المائة بحلول عام 2030، وقالت إنها يمكنها زيادة تلك النسبة إلى 41 في المائة بدعم خارجي. والهدفان المماثلان اللذان وضعتهما فيتنام هما 8 في المائة و25 في المائة. أما الفلبين فلم تقدم سوى تعهد مشروط بخفض الانبعاثات بنسبة 70 في المائة، وحتى هذه التعهدات المشروطة ستؤدي إلى زيادة الاحترار العالمي عما هو متصور في إطار اتفاق باريس، ما يبرز الحاجة إلى مزيد من الأهداف الطموحة.
ورغم أن المنطقة شهدت زيادات في مصادر الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن قدرتها المحدودة على التوليد من هذه المصادر تعني أن البلدان لا تزال تعتمد على الوقود الأحفوري. ويشهد استهلاك الوقود بجميع أنواعه ارتفاعا، بينما تسعى الحكومات إلى توفير إمكانية الحصول على الكهرباء والوقود البترولي لأغراض الطهي والنقل. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن 65 مليون نسمة من سكان جنوب شرقي آسيا يفتقرون إلى الكهرباء و250 مليونا يستخدمون الكتلة الحيوية، مثل الحطب والسماد الحيواني، لوقود الطهي.

تعارض السياسات
غالبا ما تتعارض الأهداف الوطنية لخفض استخدام الوقود الأحفوري مع سياسات دعم تكلفة منتجات البترول والكهرباء لمصلحة قطاعات المجتمع الأشد فقرا. ووفقا للدراسة التي أجراها بنك التنمية الآسيوي ومعهد بوتسدام، لا يؤدي هذا الدعم إلى زيادة الطلب على الوقود وجعل الوقود الأنظف والطاقة المتجددة أقل قدرة على المنافسة فحسب، بل تشير التقديرات أيضا إلى أنه يكلف الحكومات أكثر مما كانت ستتكلفه لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
وبالنظر إلى الصعوبات السياسية والعملية لتخفيض الدعم والتشجيع على اعتماد تكنولوجيا منخفضة الكربون، قد يكون منع إزالة الغابات هو أكثر الطرق فعالية لخفض الانبعاثات. ومن المرجح أن تكسب إندونيسيا وماليزيا مليارات الدولارات من رخصة الكربون؛ كذلك فإن الحفاظ على الغابات ستكون تكلفته أقل، مقارنة بخفض انبعاثات الوقود الأحفوري بشكل جذري وشراء رخصة الكربون.
ووفقا للمحللين في معهد الموارد العالمية، فإن مجرد تطبيق الحظر الصادر عن إندونيسيا في عام 2011، الذي يمنع إزالة بعض الغابات البكر والأراضي الخثية، يمكنه القضاء على 188 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام، أو نحو 60 في المائة من الناتج الكلي في فرنسا في عام 2016. وقد أشار المعهد في ورقة عمل صادرة عام 2017 إلى أن زيادة الإنتاجية الزراعية يمكن أن تنتفي معها الحاجة إلى إزالة الغابات.
الأطراف الفاعلة عالميا
ترى وكالة الطاقة الدولية أن ظهور التكنولوجيا منخفضة الكربون ذات التكلفة المعقولة هو السبيل نحو زيادة كفاءة استخدام الطاقة، حيث يؤدي انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى زيادة الاستثمار في الصناعة التحويلية المحلية. فعلى سبيل المثال، أصبحت ماليزيا وتايلاند سريعا من الأطراف الفاعلة عالميا في تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، بمساعدة مستثمرين صينيين يحاولون الالتفاف على رسوم مكافحة الإغراق التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقد يتعين على البلدين البحث عن أسواق جديدة عقب إعلان الولايات المتحدة هذا العام خططا لفرض تعريفات جديدة على واردات ألواح الطاقة الشمسية، في إطار إجراءاتها الصارمة ضد ما تزعم أنه ممارسات تجارية غير عادلة من جانب الشركات الصينية. لكن مع الزيادة الكبيرة في الاستثمارات الموجهة لتوليد الطاقة المتجددة في منطقة جنوب شرقي آسيا منذ بداية هذا القرن، من المحتمل أن تكون المنطقة سوقا ضخمة لهذه المنتجات. ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والواردات المعفاة من الرسوم الجمركية والقروض الميسرة، إلى جانب تيسير الحصول على التمويل، لزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتشجيع اعتماد مزيد من التكنولوجيا ذات الكفاءة في استخدام الطاقة.
ويقول فونج، من المعهد الدولي للتحول الاجتماعي والبيئي في فيتنام: "السياسات والتوصيات وحدها لا تكفي. فالشركات تحتاج إلى حوافز لاستخدام الطاقة المتجددة أو التكنولوجيا الصديقة للبيئة، إلى جانب تشجيع إعادة التشجير".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي