3 حقائق جدلية عن الفساد
إجراء محادثة جدية عن الفساد يتطلب أولا تقبل فكرة عدم وجود شخص كامل من الناحية الأخلاقية. أستهل دروسي عن الفساد في بعض الأحيان باعتراف غير اعتيادي. حيث أخبر طلابي الذين قد يصبحون قضاة أو ضباط شرطة أو في الجيش أو موظفين حكوميين أو يشغلون مراتب أخرى أني كشخص لست محصنا ضد الفساد، فقد أكون فاسدا أيضا.
تلك مجرد إيماءة تواضع، ومحاولة لفتح نقاش عن أخلاقيات العمل على سبيل التغيير. من الشائع عندما يدور الحديث حول موضوع الأخلاق: محاولة إثارة إعجاب الآخرين، كما لو أن مكافحة الفساد تتمحور ببساطة حول مسألة العثور على الأشخاص "السيئين" في المؤسسة، الوكالة، الشركة ... إلخ.
لطالما كان الفساد موجودا في كل مكان، وعلى الأغلب سيبقى كذلك. فلماذا أستثني نفسي؟ بالطبع أستطيع تجنب التفكير فيه، ويبدو أني أستطيع اختيار أو اختراع تعريف للفساد لا ينطوي على أفعالي. بذلك أستطيع الانغماس في حماية نفسي حيث يفقد الفساد بعض أهم معانيه.
يشعر معظمنا بعدم الارتياح عندما نصطدم بحقيقة سلوكياتنا غير الأخلاقية. فكوننا نميل للتفكير في أشياء معينة، نخشى أن نكون سيئين كوننا نعتقد أنها توحي بأننا أشخاص سيئون. ولكننا نعلم في الحقيقة أن الأخلاق تقع في المنطقة الرمادية. فكل واحد منا يجمع بين الخير والشر فنحن لسنا منزهين.
من واقع خبرتي، كلما أدركت إلى أي حد أعتبر نفسي شخصا فاسدا، أصبحت أكثر دراية بالمنطقة الرمادية خاصتي. فإيجاد الجانب الأخلاقي في المنطقة الرمادية ينطوي في بعض الأحيان على مقاومة عيوبنا والسعي لشيء أسمى. من المهم أن نتقبل بعض عيوبنا في بعض الأحيان فبذلك نستطيع التركيز على العالم الحقيقي ورؤية الأشياء بوضوح وعلى حقيقتها.
من الصعب تحديد ما يجب مقاومته وما يجب تقبله. سأورد ثلاث أفكار أجدها فعالة عند اتخاذ قرارات أخلاقية.
1 - عدم التسامح مع الفساد ليس بالضرورة أمرا صادقا أو مرغوبا فيه.
عندما أدعو تنفيذيين وموظفين حكوميين إلى التفكير في الفساد الموجود فيهم لا يعتبر ذلك بمنزلة دعوة إلى الانحلال الأخلاقي. وبدلا من ذلك، هو بمنزلة تذكير بأنه لا يوجد شخص كامل. فجميعنا لدينا عيوب ونقاط سوداء يجب أن نستعد لمواجهتها إذا ما أردنا أن نطور أنفسنا. وإذا ما تبنينا معايير غير واقعية سنصبح عاجزين عن اختيار معاركنا الأخلاقية بروية.
من جهتي، أحاول كشخص غربي وأعزب أن أتبنى حقيقة أن تفكيري منحاز إلى العلم والثقافة والمعايير الاجتماعية والعادات التي تشكل هويتي. ولذلك تداعيات إيجابية وسلبية. أصبحت أدرك مع الوقت أن بعض سلوكياتي قد تبدو متحيزة وقد ينظر إليها على أنها عنصرية في بعض الأحيان.
عندما يشير أحد الطلاب إلى بعض التحيزات السلبية الخفية بطريقة تدريسي، أسعى جاهدا لإظهار الاهتمام والفضول. وبذلك بإمكاني أن أتعلم بدلا من دحض أي معلومات تتناقض مع إغراء تقديس الذات.
بشكل عام، لدي أسباب وجيهة لأكون متسامحا مع نقاط ضعفي الأخلاقية. وكوني غير متصالح مع بعض جوانب شخصيتي التي أريد بشدة أن أقهرها بإمكاني أن أكون متسامحا مع الجوانب التي أقبلها كجزء من كوني شخصا غير معصوم. بإمكاني أن أوجه هذه الجوانب إلى أفكار أكثر وضوحا ومسالمة.
بما أن الفساد يبدأ كفتنة، من الضروري الترويج لمكافحة الفساد لأسباب أخلاقية وليس فقط لخدمة مصالح شخصية. فالأخلاق لا يمكن بيعها إلا لأشخاص سيئين.
بحسب وجهة نظري، يجب أن أغض النظر عن مسألة العمل. وأن أحضر نفسي لأعلم طلابي خارج منطقة راحتهم بدلا من إخبارهم ما يرغبون في سماعه.
مع الوقت والعمل الجاد، استطعت إقامة علاقات مستدامة ومجدية مع العملاء. مع ذلك، ما زلت أواصل التنقل في المنطقة الرمادية، بين نزوعي الفكري ونجاحي الخاص. ذلك كون الأمر ليس مقتصرا على مسألة العمل التي يمكنني أن أخترعها بصورة تدريجية.
2 - الإيثار ليس بالضرورة التفوق أخلاقيا.
غالبا ما يتم الخلط بين الأخلاق والإيثار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفساد، فعمل ما هو أفضل للآخرين لا يعني التصرف بطريقة أخلاقية. من خلال خبرتي، يبدو أن طلابي يقضون كثيرا من الوقت والجهد لاهثين خلف أهداف وقيود لا تخصهم. في كثير من الحالات تخدم السلوك غير الأخلاقي مصالح شركتهم. وقد ينبع أيضا من مراعاتهم للسلطة، ما يعمي بصيرتهم عن المخاطر التي يضعون أنفسهم بها من خلال تجاهل الجانب الأخلاقي. ومن المفارقات أن التعمق بمصالحهم الشخصية قد يعزز السلوك الأخلاقي.
3 - تبني المفارقات وليس البدهيات
قد تكون المفارقات من الأمور غير الشائعة في مجالس الإدارة، ومع ذلك تعد ضرورية كوننا لا نعيش في عالم يقتصر على الأبيض والأسود. عوضا عن ذلك نحن كائنات معقدة تعيش في عالم معقد. الأخلاقيات المناسبة لمثل هذا العالم ستكون أكثر تفهما للتناقضات من البدهيات التي غالبا ما تسيطر على النقاشات حول الفساد في أروقة السلطة.
من المؤكد يصعب تبني التعقيد والتناقضات كونهما يتطلبان طريقة جديدة في التفكير. ولكن تقبلها يمكننا من الخوض في المنطقة الرمادية للأخلاق بشكل يجعلنا نتجنب الأحكام القطعية والإقرار بأن بعض السلوكيات أخلاقية أكثر من غيرها. كما أنه يفسح المجال أمام مزيد من المناقشات حول الأخلاقيات خاصة موضوع الفساد.