مجتمع الأعمال والانفتاح المتزايد نحو العولمة
في ظل انفتاح مجتمع الأعمال المتزايد في اتجاه العولمة، باتت الرسالة واضحة ومباشرة للجميع، بدءا من شؤون الابتكار أو حوكمة الشركات، وصولا إلى الاستثمار في الملكية الخاصة وريادة الأعمال، وهي ضرورة التفكير بطريقة مختلفة، وعدم تجاهل الأسواق الناشئة، والعودة إلى الأساسيات، خاصة في ظل تنامي البنية المعقدة للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية.
كانت هذه التوصيات الأبرز خلال مؤتمر قمة القيادة في أوروبا، التي عقدتها كلية إنسياد في فرنسا أخيرا، وفي إحدى الجلسات الحوارية، تمت كتابة توصية تؤكد أن البساطة هي الاتجاه الجديد حاليا، وقد أرادت من وراء هذا الطرح الإشارة إلى أن قطاع الملكية الخاصة يشهد عودة إلى اقتصاديات النمو؛ أي إضافة قيمة حقيقية إلى الشركات، وهي الهدف الأساسي من وراء هذا القطاع الحيوي، كما أن النمو المستقبلي سيأتي من الأسواق الناشئة التي ستقود مسيرة النمو في مختلف المجالات، ففي ريادة الأعمال هنالك نظرة خاصة، في مسألة المقارنة بين السؤال المطروح سابقا أمام رواد الأعمال حول ما يجب فعله لجمهور المستهلكين في الصين والهند، وبين ضرورة اعتبار كل من هذه الاقتصاديات الواعدة مصدرا رئيسا لرؤوس الأموال.
وحتى في مجالات أخرى مثل الابتكار والحوكمة، فإن الأسواق الناشئة باتت تكتسب أهمية أكبر في الاقتصاد العالمي اليوم؛ حيث إن أهمية تغيير طريقة تفكير مجتمع الأعمال الغربي، ويقول: "يجب علينا أولا التخلي عن النظرة إلى تلك الأسواق على أنها ناشئة؛ إذ إنها وبعد 40 عاما قد نمت ونشأت بالشكل الكامل"، وإن هذه الاقتصاديات باتت الآن مهيأة بشكل أفضل لإدارة شؤونها ذاتيا، وبالتزامن مع انتقال مركز الجاذبية الاقتصادية نحو آسيا، قد يؤدي ذلك إلى إيجاد فراغ في أوروبا وأمريكا، حتى إن فان دير هيدين يحذر من أن الاقتصاديات المتقدمة قد بدأت بالانحدار تدريجيا.
وهنالك إيجابية أكثر تجاه مستقبل أوروبا العالمي؛ إذ إن أوروبا هي مجموعة أفكار ومبادئ، وليست مجرد منطقة جغرافية - على حد تعبيره - ويضيف: "لم نكن لنحصل في "إنسياد" على الثقة التي نتميز بها الآن في الشرق الأوسط لولا الإرث الأوروبي الذي لدينا، وأن إدراك الناس هناك أننا ومنذ البداية سنعتمد مقاربة جادة لثقافتهم المحلية، وأننا سنستمع لهم ولآرائهم هو ما أثار إعجابهم في "إنسياد".
لكن وماذا عن الجشع الذي كان أحد أبرز أسباب الأزمة العالمية الأخيرة؟ هنا يتم الربط بين الجشع والرافعة المالية؛ أي الاقتراض لرفع حجم العوائد أو ما يسمى leverage، وهي ظاهرة لا تزال موجودة حتى الآن، فعلى سبيل المثال، لا تزال سندات الخردة ذات المردود العالي تشكل سوقا جاذبة للمستثمرين مرة أخرى، وتضيف: "خلاصة القول إن الجشع لا يزال موجودا، لكن من غير المحتمل أن نشهد صفقات كبيرة مثلما كان يحصل سابقا".
كما أن هناك إقرارا بوجود الجشع في عالم المال والأعمال، لكن بصورة مختلفة في بيئة الاقتصاد الاجتماعي اليوم، ويستخدم وصف "الجشع الواعي"؛ أي الجشع بهدف إحداث تأثير اجتماعي، بما من شأنه أن يشكل دافعا حقيقيا في عالم الأعمال على أن يتزامن ذلك مع تطبيق مبادئ الحكومة التي تحتل الأولوية دائما: "من شأن الحوكمة أن تعيد صياغة الجشع، الجشع الذي يطور الأداء، ويحدث أثرا إيجابيا كبديل عن الشجع بهدف المصلحة الشخصية".
كما أن هناك نظرة متفائلة حول الدور الفعال للجشع، لكنه يؤكد أهمية أن يقوم رجال الأعمال في المستقبل بتحديد أخلاقيات العمل التي سيتبناها قبل البدء في أي مشروع.
وخلال الندوات الحوارية على هامش المؤتمر، أبدى عدد من المشاركين تخوفهم من تزايد حدة التدخل الحكومي، وفيما أقر جزء كبير منهم بأهمية دور الدولة في أوقات الأزمات الاقتصادية، إلا أنهم دعوا إلى أن يكون الدور محدودا، وهنا تقول زيسبيرجر إن الهاجس الأكبر يكمن في أن يصبح مجتمع الأعمال والشركات بمنزلة كبش فداء للحكومات عندما تسوء الأمور.
كما طرحت في هذا اللقاء عديدا من الأفكار كمواضيع للمناقشة في مؤتمرات "إنسياد" المستقبلية، وفي مقدمتها التفاعل بين الحكومات والقطاع الخاص، إلى جانب قطاع تقنية المعلومات وريادة الأعمال، وطالب البعض بأن تسهم إنسياد في إعادة تصحيح مسار الرأسمالية، وتوجيهها كوسيلة إيجابية لتنمية المجتمعات، وكذلك الحديث عن الهجوم الذي تتعرض له الرأسمالية اليوم؛ حيث إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العمل على تحقيق عوائد أعلى للشركات، بل في الأسلوب المتبع للوصول إلى هذا الهدف، موضحة أن الانتقاد ينصب على التطبيق السيئ للرأسمالية.
أما عن الأرباح والأخلاق فقد تم الحديث عن وجود خيارين رئيسين لتحقيق الأرباح: الأول المساهمة في جعل العالم مكانا أفضل، وتحقيق أرباح محدودة من هذه العملية، والآخر تدمير حياة الناس، مؤكدا إمكانية جني الأرباح مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمسؤولية تجاه المجتمع، مشيرا إلى أن الموضوع في النهاية خيار شخصي يستطيع المرء أن يتبناه في مسيرته العملية. ويرى أن مجتمع الأعمال له دور إيجابي لا مفر منه، وأن الشركات خاصة الكبيرة والعامة منها، سيكون الواجب عليها إحداث أثر اجتماعي إيجابي، كي يسمح لها بزيادة مصالح حَمَلَة أسهمها ومالكيها، ويتوقع أن الشركات التي تعنى فقط بمصالحها الخاصة لن تتلقى دعما من حكومات الدول التي تعمل في أسواقها أو حتى من قاعدة عملائها.