«أو تسريح بإحسان»
من أبلغ الآيات التي تحدثت عن العلاقة الزوجية وعن حق المرأة في حال الانفصال، قوله تعالى: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، "فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف"، حفظت الآيتان حق الزوج في الاختيار وحفظتا وجوبا كرامة المرأة وحقوقها كزوجة أو طليقة. الحياة الزوجية عمادها المودة والرحمة، وأحد أهدافها الإعفاف وسد الاحتياجات الطبيعية، لكن يحدث اليوم استمرار الحياة الزوجية على الرغم من الانفصال العاطفي بين الزوجين، وتمضي أيامهما في غربة وصمت أو في شتات بين بيت الزوجية وبيت الأهل، فقط للاستمرار في ذات الشكل الاجتماعي أو خوفا من تبعات الطلاق، وقد ينتهي المطاف بالزوجة إلى القضاء كطريق لا تتمناه للبت في حالها. نعم، الأصل في عقد الزواج التأبيد، لكن مع استحالة العشرة يكون الانفصال هو المقدم على الاستمرار، ولا يوجد ما يبيح للرجل تعليق زوجته وتركها متذبذبة، فلا هي أخذت حق الزوجية كاملا ولا هي خرجت من ذمته فتسعى لحياة أخرى كريمة. ولأن العصمة في الزواج بيد الرجل، كان حل تلك العصمة المنعقدة بيده، وكان العبء الأكبر عليه في رسم مسار تلك الحياة بالاستمرار أو الفراق، وكلا الأمرين شرطهما إكرام المرأة وإعزازها، وعدم إيذائها بالمن عليها وظلمها بمساس شيء من حقوقها المالية والنفسية والعاطفية والاجتماعية. استضعاف المرأة والضغط عليها من خلال أي جانب من تلك الجوانب يعتبر إضرارا بها ومنافيا للإحسان وللمعروف الذي أمر الرجل بمراعاته معها والالتزام به، الكيد للمرأة في نفسها أو في أبنائها والانتقام منها بطول مقاطعتها أو تعطيل مصالحها أو تأخير طلاقها أو المبالغة في التعويضات المتفق عليها للانفصال أو إخراجها من بيتها قبل انقضاء عدتها أو الحديث بما يشير إليها أو إلى خصوصيتها ولو تلميحا، كلها تعتبر من التعدي عليها ومخالفة صريحة للأمر في الآيات، والمدعوم بقوله: "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا".
يجب أن نجعل من قرآننا وأخلاقنا أفعالا ترى وليس شعارات فقط ترفع.