Author

التعويض على المماطلة والإثراء .. مرة أخرى

|
من أكبر الظلم الذي تمنعه الشريعة أن يماطل الغني في دفع الدين الذي عليه ويستفيد ويغتني منه سنين ويمنع صاحب المال من الاستفادة منه ومن نمائه. قاعدة الضرر يزال، من أهم القواعد الفقهية الكلية الخمس، حيث تنص على إزالة الضرر عن المتضرر مهما كان، إلا أن بعض الفقهاء بقوا جامدين في تفسير هذه القاعدة على الرغم من اختلاف الصور وتطورها الجذري في الوقت المعاصر. هناك مبدأ قانوني شهير وهو مبدأ الإثراء غير العادل Unjust Enrichment، أي أنه لا يجوز الحصول على إثراء بشكل غير عادل أو غير مبرر، وهو مبدأ موجود لدى فقهاء المسلمين قبلهم من حيث الأصل، حيث لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، إلا أن هذا المبدأ لم يطوره الفقهاء اليوم. المبدأ القانوني في الإثراء غير العادل يؤكد مبدأ التعويض للمتضرر، وكي يكون المتضرر من إثراء شخص آخر بشكل غير عادل مستحقا للتعويض، يجب أن تتحقق عدة أمور، منها التأكد من أن المدعى عليه قد حصل على إثراء فعلا، وأن الإثراء حصل من مال المتضرر، وأن الإثراء غير عادل، وأنه لا يملك دفاعا مقبولا، ثم يبحث عن التعويضات التي يمكن أن يحصل عليها المتضرر. وهناك مبدأ آخر أساسه "الإثراء غير العادل" وهو The Restitution وهو نوع من التعويضات بشروط خاصة، حيث يمكن للمدعي طلب التعويض من خلال تعويض الضرر الفعلي الذي حصل له أو من خلال تعويض Restitution "له الخيار في أيهما أحظى له"، حيث يمكنه من خلال الأخير المطالبة بالأرباح التي حققها المدعى عليه من خلال تصرفه الذي عمله في مال المتضرر، "وهذا المبدأ له شروط وأحوال محددة لديهم"، وهذا مبني أيضا على مبدأ الإثراء غير العادل. هذان المبدآن في الحقيقة يؤسسان لقاعدة مهمة، وأرجو أن يعيد فقهاؤنا النظر فيهما، فالتعويض لدينا ليس إلا باستعادة رأس المال بشكل عام، خاصة في النقد "هناك فرق بين النماء المنفصل والمتصل، وبين نماء النقد والثمرة وغيرها"، أو على تعويض الضرر المادي غالبا وليس على الإثراء. فلو أن شخصا أخذ مالا من آخر بشكل غير مشروع، ثم استثمره وحصل على مكاسب كبيرة، فإنه لا يحق للمالك الحقيقي للمال أن يطالب بما زاد على رأسماله إلا من خلال أحوال ضيقة لا تذكر. وفي نظري أنه يجب إعادة بحث هذه المسألة جيدا، فالفقهاء في هذه المسألة كانوا يركزون على الضرر فقط، ولم يكونوا يتناولون موضوع الإثراء "وإن تطرقوا له". وبنظر سريع للمسألة نجد مثلا حديث ابن اللتبية عامل الصدقة عندما قال: "هذا مالكم وهذا هدية" فقال عليه الصلاة والسلام: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك". والشاهد منه أنه لم يبح له الحصول على المال "الإثراء" بطريق غير عادل. كما في الآية الكريمة: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، والحديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه"، وفي نظري أن نماء الأصل تبع له، والأدلة لا يمكن حصرها هنا. السؤال عندما يماطل أحدهم في مال آخر ويستثمره ربما لسنوات، بأي حق يبقى هذا الإثراء لدى ذلك المعتدي؟ وكان بالإمكان وضع حل بمطالبة المتضرر بإثبات الإثراء والتحقق منه، ولكن في نظري أن الوضع السائد حاليا لدى المحاكم بإرجاع أصل المال فقط فيه إهمال لحق صاحب المال الحقيقي.
إنشرها