لماذا نستغرق في الأحلام وما صلتها باليقظة .. لا النوم؟

لماذا نستغرق في الأحلام وما صلتها باليقظة .. لا النوم؟

لماذا ننام؟ وعندما ننام، لماذا نحلم؟ هل تخدم رؤانا الليلية أي غرض بيولوجي أساسي؟ على الرغم من حقيقة أننا نقضي نحو ثلث حياتنا نائمين وربما سدسها حالمين، إلا أنه لا يمكن للعلماء تقديم إجابة واضحة على هذه الأسئلة بعد عقود كثيرة من البحث العالمي.
يعترف يوفال نير، الذي يدير مختبرا للنوم: "الجواب المختصر هو أننا لا نعرف لماذا ننام؟ هذا الجواب ليس ما يريد الجمهور أن يسمعه، ولكن كعالم يجب أن أقول ذلك". يوافق فلاديسلاف فيازوفسكي، عالم الأعصاب في جامعة أكسفورد: "من المستغرب أن وظيفة النوم تظل بعيدة المنال".
نحن نعلم بالتأكيد أننا بدونها سوف نعاني من العواقب. يقول ماثيو ووكر، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومؤلف كتاب واحد من أكثر الكتب مبيعا بعنوان "لماذا ننام": "النوم هو بلا شك نظام أساسي لدعم الحياة". جميع الحيوانات التي لديها جهاز عصبي تنام. الحرمان من النوم يسبب المرض وفي الحالات القصوى قد يؤدي إلى الموت.
يقول نير إن الحلم يتسم بقدر أكبر من الغموض. "والأحلام تغذي أسئلة أكبر، مثل السبب في أننا نتمتع بالوعي ولماذا نحس بأي شيء على الإطلاق، وهو الأمر الذي لم يبدأ العلم في الإجابة عنه".
اعتاد العلماء على ربط الحلم مع نوم حركة العين السريعة (REM). ومع ذلك، أصبح من الواضح في الآونة الأخيرة أنه يحدث أيضًا في النوم عديم حركة العين السريعة - ما يُعقد البحث عن إجابات. وكما يشرح نير: "الأحلام في النوم عديم حركة العين السريعة يغلب عليها أن تكون أكثر سكونا وغالبًا ما تتميز بفكرة متكررة، مثل القلق بشأن الفشل في الدراسة للامتحان. في نوم حركة العين السريعة، تكون الأحلام أكثر نشاطا وأكثر اتساما بالرؤية."
الرغبة في فهم أحلامنا أمر قديم قدم الأحلام. في العصور القديمة، رأى كثير من القادة أهمية كبيرة في محتوى أحلامهم، وكانوا يستخدمونها لتوجيه عملية صنع القرار لديهم. سعت الأديان إلى الكشف الإلهي في الأحلام. يرى المحللون النفسيون من أتباع فرويد ويونج الأحلام على أنها نافذة مهمة على العقل. لا يزال العاملون في التحليل النفسي اليوم يستخدمون صور الأحلام الرمزية التي وضعها كارل يونج في قائمة في أوائل القرن العشرين.
على الطرف الآخر من الموضوع، يعتقد بعض الباحثين أن عملية الحلم هي "ظاهرة ثانوية" لا معنى لها – بمعنى أنها نتيجة ثانوية عرضية لمعالجة المعلومات العصبية التي تحدث أثناء النوم، خاصة أثناء مراحل حركة العين السريعة.
من وجهة النظر هذه، لا تكون الأحلام مفيدة أكثر من الحرارة المهدرة المنبعثة من المصباح، الذي يكون الغرض الوحيد منه هو الإضاءة.
معظم علماء النوم يعتقدون أن العواطف والسرد المستحضر في أحلامنا لها وظيفة تتجاوز معالجة البيانات العصبية التي تنتجها. ويقول ووكر: "هناك مجموعات جيدة من الأدلة لدعم اثنين من الفوائد الوظيفية للحلم. أحدها هو حل المشكلات والإبداع. والآخر هو العلاج العاطفي".
أحد أنواع التجارب، التي ابتكرتها جامعة هارفارد، تعرض المتطوعين لمشكلة صعبة، مثل حل لغز في الواقع الافتراضي، ثم السماح لهم بالنوم قبل التعامل معها. المشاركون الذين يبلغون عن أحلام متعلقة باللغز يحققون نتائج أفضل من الذين لا يفعلون ذلك. هناك أيضًا دليل على أن الحلم يساعد الناس على حل خبراتهم العاطفية المؤلمة.
كل واحد منا يختلف في مقدار أحلامنا التي نتذكرها عند الاستيقاظ، لكن فوائد الأحلام لا تعتمد على تذكرنا لها، كما يقول راسل فوستر، أستاذ علم الأعصاب في جامعة أكسفورد. ويضيف: "لا أعتقد أن الأحلام مهمة في صنع قرارنا الواعي، لأننا ننسى الكثير منها". تقول النظرية إنه إذا كان محتوى الأحلام مفيدًا بشكل مباشر في حياة اليقظة، كان من الممكن أن يمنحنا التطور ذكريات أفضل لها.
هناك كثير من الأمثلة الشهيرة من الأدب والفن والموسيقى والأفكار العلمية المستوحاة من الأحلام، على الرغم من أن بعضها قد يكون مبالغا فيه. يطعن العلماء، على سبيل المثال، في صحة أفضل مثال على ذلك معروف من العلم - كيميائي القرن التاسع عشر، أوغست كيكوليه، الذي وضع هيكل حلقة مركب البنزين بعد حلم له بالثعابين التي تبتلع ذيولها.
في خضم كل هذا اللبس، يقول فوستر إن الباحثين في النوم واثقون من شيء واحد: "هناك أناس مقتنعون تماما أنه يمكن للأحلام التنبؤ بالمستقبل، ولكن ليست لديها قوة تنبؤية على الإطلاق".
قد تبقى الأحلام غامضة، لكن هناك إجابات معقولة تظهر حول بعض أسبابنا البيولوجية المتعددة للنوم. تكمن أصول النوم القديمة في النمط اليومي للنشاط والراحة الذي يحكم معظم أشكال الحياة على الأرض.
أدت التغيرات العميقة في الضوء ودرجة الحرارة وتوافر الغذاء على مدى 24 ساعة إلى قيام الكائنات الحية بتطوير ميزات متخصصة لأداء مثالي، في ظل الظروف النهارية أو الليلية، وليس كليهما.
مع تطور الحيوانات للتنقل خلال النهار، والتغذية والتكاثر، الانتخاب الطبيعي في الوقت نفسه يفضل عدم النشاط ليلا لإبقائها بعيدة عن الحيوانات المفترسة ومسببات الأمراض والإصابات العرضية.
على العكس من ذلك، طورت المخلوقات الليلية رغبة ملحة للتخلص من الأذى في ظروف النهار. يقول فوستر: "تتكيف الكائنات الحية مع بيئة ملائمة زمنية محددة تماما كما هو الحال مع البيئة الملائمة المادية. النشاط في الوقت الخطأ غالبا ما يعني الموت".
وبمجرد أن تم إنشاء دورة يومية، أدى التطور إلى مزيد من التخصص، بحيث يتم تنفيذ وظائف التدبير المنزلي الأساسية خلال فترة تعطل الحيوان، عندما لا يتم غمر الدماغ بالمعلومات الحسية الواردة، ولا يخصص الجسم لأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة.
جميع الحيوانات لديها دافع قوي للنوم، والذي يصبح في نهاية المطاف بشكل لا يقاوم. يقول فيازوفسكي: "يمكن وصف ذلك رياضيا على أنه تفاعل بين عمليتين أساسيتين. إحداهما هي ضغط النوم، والذي يتراكم ابتداء من الوقت الذي تستيقظ فيه ثم ينقص كلما تنام. والآخر هو العملية الإيقاعية اليومية، التي تتعقب الزمن وتخبر الدماغ متى يجب أن يكون مستيقظا".
الرقم القياسي الذي تم التحقق منه للبقاء في حالة يقظة من دون منشطات يحمله راندي جاردنر، طالب في مدرسة ثانوية في كاليفورنيا، صدَّ النوم لمدة تزيد قليلا على 11 يومًا في عام 1964، وهي فترة راقبه العلماء فيها عن كثب. تعتبر مثل هذه التجربة غير أخلاقية اليوم، بسبب الخطر المعروف على الصحة نتيجة الحرمان الشديد من النوم.
ومن المعروف أن اثنتين من وظائف التدبير المنزلي المختلفة جدا تعمل في الدماغ النائم. الوظيفة العادية - التي تم اكتشافها في عام 2012 في جامعة روتشستر في الولايات المتحدة - هي آلية للتخلص من النفايات التي تنظف الدماغ من البروتينات السامة وغيرها من القمامة الخلوية الناشئة عن النشاط الدماغي.
يقوم جهاز التصريف الغليمفاوي، كما هو معروف، بضخ السائل الدماغي الشوكي من خلال المخ وإزالة الفضلات مرة أخرى إلى نظام الدورة الدموية الرئيس للجسم، والذي يأخذها إلى الكبد للتخلص النهائي منها.
خلايا الدماغ المعروفة باسم العقد الدبقية تتقلص بنسبة تصل إلى 60 في المائة أثناء النوم، ما يترك مزيدا من الفراغ بينها لسائل النخاع الشوكي لغسلها. يدعونا ووكر إلى "التفكير في المباني في مدينة كبيرة تتقلص فعليا في الليل، ما يتيح لأطقم التنظيف من البلديات إمكانية الوصول بسهولة لالتقاط القمامة المنتشرة في الشوارع، تليها معالجة جيدة بالضغط النفاث لكل زاوية وركن".
يقول ووكر إن وجود جهاز غليمفاوي قد يساعد على تفسير الملاحظة القائلة إن النوم غير الكافي يزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، فهو يمنح وقتا أقل للجزيئات السامة المتورطة في المرض، مثل بروتينات اميلويد وتاو، لتطهيرها من الدماغ.
عملية رئيسة أخرى تحدث أثناء النوم هي معالجة المعلومات وتوحيد الذاكرة - النشاط العصبي الذي تبقى تفاصيله بعيدة المنال على الرغم من سنوات كثير من الدراسة العلمية. كلا النوعين الرئيسين من النوم اللذين يدوران في الدماغ في موجات بطيئة أثناء الليل، وهما نوم حركة العين السريعة ونوم عديم حركة العين السريعة، يلعبان دورًا في رقصة معقدة لمعالجة البيانات.
هناك مثال جيد على النظريات التي تُطرح لفهم الأدلة الناشئة نشر هذا الشهر من قبل بيني لويس، أستاذة علم النفس بجامعة كارديف، مع زملاء دوليين في مجلة Trends in Cognitive Sciences. يقترح نموذجهم أن الدماغ ينظم المعلومات في إطار مفيد خلال فترة النوم عديم حركة العين السريعة، في حين يساعدنا نوم حركة العين السريعة في رؤية ما بعد هذا الإطار وإجراء اتصالات غير متوقعة بين الذكريات.
في النوم عديم حركة العين السريعة، تُعاد قراءة الذكريات التي تم التقاطها من قبل الحصين في الدماغ هناك وفي القشرة المخية. وفي الوقت الذي نكتشف فيه أوجه التشابه بينهما، يتم وضع المعلومات في القشرة المخية ضمن إطار يستند إلى روابط حول مواضيع معينة. خلال نوم حركة العين السريعة، لا تعود القشرة متزامنة مع الحصين الدماغي، وتصبح لها الحرية في إعادة تشغيل المعلومات المخزنة في تركيبات مختلفة. يتم تسهيل ذلك من خلال موجات دماغية خاصة تظهر لتنشيط مناطق القشرة بشكل عشوائي.
لتوضيح الفكرة، يقدم لويس مثالا مماثلا لحلم البنزين الذي رآه كيكوليه. في عام 1911، اقترح الفيزيائي إرنست رذرفورد بنية للذرات، حيث تصوَّر إلكترونات صغيرة في مدار حول نواة كبيرة نسبيا، والتي كانت تستند إلى فكرة الكواكب التي تدور حول الشمس. ووفقا لنظرية لويس، ربما كان رذرفورد سيعيد التفكير بأفكاره الأخيرة حول الذرات أثناء نوم حركة العين السريعة إلى جانب ذاكرة تُنشَّط عشوائيا للنظام الشمسي، ما مكنه من إجراء اتصال عقلي بينهما. بخلاف كيكوليه، لا يحتاج إلى تذكر الحلم للربط بين الظاهرتين.
لويس يعترف: "حرَصْنا على عدم الحديث عن الحلم في ورقتنا البحثية. في الواقع، أميل إلى الابتعاد عن الحلم، لأنه من الصعب القيام بعمل علمي بشأنه". لسوء حظ بالنسبة للحريصين على فتح أسرار أحلامهم، فإن كثيرا من علماء الأعصاب وعلماء النفس يوافقون على هذا الرأي اليوم.

الأكثر قراءة