عندما انتقل حسن دوشي من الهند إلى لِيستر عام 1982، كان لديه سبب وجيه للشعور بالتفاؤل. لقد حلّ في مكان كان متعطشا لمهارات الخياطة، وليستر مدينة المصانع التي كان شعارها "لِيستر تصنع الملابس للعالم".
لقد وصل إليها في يوم الجمعة وبدأ العمل يوم الإثنين.
يقول دوشي: "كان عام 1982 توقيتا جيدا لذلك! أنا أفتقد ذلك الوقت"، وهو الآن في الستين من العمر وما زال يصنع بناطيله بنفسه.
ويتذكر 29 يوما من الإجازة المدفوعة الأجر، وانتهاء العمل أيام الجمع في الساعة 12.30، وفيما يتصيده أصحاب المصانع من خلال الوعد بأجر أعلى.
انتهت هذه الأوقات الطيبة في عام 2001. فالمصنع الذي عمل فيه لمدة عشر سنوات - وهو مورد لتاجر التجزئة BHS - أُغلق لأنه، كما يقول، انتقل الإنتاج إلى سريلانكا.
كان أداء المصنع جيدا وهو ما جعله يصمد طيلة هذه المدة. وكان تجار التجزئة قد بدأوا قبل ذلك بفترة "بالسعي الحثيث بحثا عن شركات الخياطة الرخيصة في أنحاء الكوكب"، على حد تعبير أحد التنفيذيين للبيع بالتجزئة، واستمروا في القيام بذلك.
تجارة الملابس في لِيستر، وهي مدينة تقع في قلب إنجلترا ازدهرت في العصر الصناعي، تمكنت من التشبث على الرغم من تفككها وتعرضها للضعف، في وحدات صغيرة في هياكل مباني المصانع القديمة.
وظل تجار السوق وتجار الجملة يأتون إليهم للحصول على الملابس هناك، كما فعلت بعض العلامات التجارية التي تباع في المتاجر العادية مثل نيولوك New Look عندما احتاجت إلى تعبئة متاجرها. قضى دوشي سنوات وهو يتنقل من مصنع صغير معتل إلى آخر فهو "دائم التنقل، يتنقل، ويتنقل".
الآن، بدأت قوى اقتصادية جديدة تهب على صناعة الملابس في لِيستر. منذ الأزمة المالية، ازدهرت العشرات من شركات تجارة التجزئة البريطانية الناشئة على الإنترنت عن طريق تزويد ما تسميه بوهو Boohoo، وهي واحدة من أكبر هذه العلامات التجارية، "فئة الناس المدخرين الطموحين" من شباب الألفية.
هذا هو جيل إنستاجرام الذي يريد أن يشتري اليوم ما كان يرتديه المشاهير المفضلون لديهم بالأمس. تحقيق هذه الرغبات بسرعة يعني التعاقد مع جهات قريبة من هذه المتاجر.
يقول نيتين باسي، مؤسس متجر التجزئة على الانترنت ميسجايديد Missguided، في عام 2014: "السرعة هي عامل التسويق الرئيسي لدينا، والمملكة المتحدة تحب السرعة إلى أقصى درجة".
تتعاقد كل من متاجر بوهو Boohoo وميسجايديد Missguided لتصنيع ما لا يقل عن نصف ملابسهم في المملكة المتحدة، مع وجود مراكز لهما في ليِستر، ومانشستر ولندن حيث تقومان بتوريد مجموعة من العلامات التجارية.
اشتريتُ فستانين من متجر بوهو Boohoo مقابل ستة جنيهات وستة جنيهات على التوالي؛ تبين لي أن الاثنين صنعا في لِيستر. وقد أثبتت هذه العصرية والسرعة والرخص بأنها استراتيجية قوية تحقق الفوز. تضاعفت القيمة السوقية لشركة بوهو Boohoo بأكثر من الضعف لتصل إلى نحو 2.3 مليار جنيه منذ إدراجها في بورصة لندن البديلة في عام 2014.
كيف يمكن صنع ملابس رخيصة في بلد يكون الحد الأدنى للأجور فيه للذين تزيد أعمارهم على 25 سنة هو 7.83 جنيها في الساعة؟ نشاط تجار التجزئة على الإنترنت وانخفاض النفقات العامة لديهم يسمح لهم بدفع المزيد مقابل المنتجات، في الوقت الذي يظلون يمنحون فيه المستهلكين سعرا جيدا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الشركات الصانعة التي تستخدم التكنولوجيا لتصنيع الملابس بشكل أكثر كفاءة، لكن أصحاب المصانع في لِيستر يقولون إن بعضهم يتخذون طريقا مختلفا، وهو طريق يذكرنا بالقرن التاسع عشر أكثر من القرن الحادي والعشرين. يسمون هذه الأماكن "المصانع المظلمة".
جزء من صناعة الملابس في لِيستر أصبح منفصلا عن قانون العمل في المملكة المتحدة، "بلد داخل بلد"، على حد تعبير أحد أصحاب المصانع، حيث "يعتبر خمسة جنيهات في الساعة أجرا رائعا"، على الرغم من أن ذلك غير قانوني.
يقول دوشي (هذا ليس اسمه الحقيقي) إنه عمل في أماكن لا توجد بها مخارج من الحريق، والماكينات قديمة، ولا توجد فيها عطل رسمية أو مرضية مدفوعة الأجر.
هناك مصانع ملابس تتبع القانون، لكن "ما يُتصوَّر أنه ثقافة الإفلات من العقاب"، كما وصفها تقرير حكومي عام 2018، خلقت اقتصادا جزئياً غريبا حيث يتفوق المنافسون الصغار الذين يستخدمون عمال يتقاضون أجورا قليلة، على المصانع الكبيرة التي تستخدم الآلات.
وفي حين يلقي بعض تجار التجزئة باللوم على أصحاب المصانع غير الأخلاقيين، تقول المصانع إن جهود شركات التجزئة التي لا هوادة فيها من أجل أسعار رخيصة تجعل من المستحيل تحسين الأوضاع.
ونتيجة لذلك، فإن ما ينبغي أن يكون موضوعا إخباريا جيدا بالنسبة لأشخاص مثل دوشي، أصبح حكاية تحذيرية حول كيف يمكن لعملية إعادة وظائف التصنيع إلى بريطانيا أن تسير على نحو خاطئ، عندما تخفق الحكومة في فرض قوانينها الخاصة.
لعل أغرب ما في استغلال العمالة هذا هو أنه سر مكشوف. الحكومة المركزية تعرف هذا. الحكومة المحلية تعرف هذا. شركات التجزئة تعرف كذلك. وكما يقول أندرس كريستيانسن، الذي كان الرئيس التنفيذي لشركة التجزئة نيولوك New Look في الشارع الرئيسي من عام 2013 حتى أيلول (سبتمبر) من العام الماضي: "حين جئت إلى المملكة المتحدة واكتشفتُ ما كان يجري في لِيستر، كان الأمر صاعقا".
ويتذكر أنه راح يقول في نفسه: "هذا يحدث أمام عينيك ولا أحد يفعل أي شيء؟! كيف يمكن للمجتمع أن يقبل هذا - ولا حتى المجتمع، كيف يمكن للحكومة أن تقبل هذا؟ إنه أمر محزن للغاية، لم أتحدث عنه منذ فترة طويلة لأنه أحبطني كثيرا."
سعيد خلجي، رئيس مجلس إدارة اتحاد صناعة المنسوجات في لِيسترشاير، يقود السيارة في أنحاء المنطقة الصناعية للملابس مشيرا إلى المجمعات الصناعية القديمة.
هذا الجزء من لِيستر مكتظ بالمصانع والمدرجات ذات الطوب الأحمر ومختلف المعابد. وكما يقول: "في المعبد اليهودي هذا - مبنى واحد - يوجد 100 مصنع هناك. كل مصنع يعمل فيه 10 أشخاص أو 15 شخصا أو 20 شخصا."
خلجي شخص أنيق الملبس، مع لحية سوداء مرتبة. أنشأ اتحاد الصناعة في العام الماضي لأنه شعر أن الصناعة المحلية بحاجة إلى صوت جماعي. بينما يقود سيارته، يستمر في التوقف لإلقاء التحية على الناس. ثم يشير إلى صف من الأبواب على شارع سانت سيفيَرز. "أنت ترى بابا واحدا إلا أن هناك ثلاثة أو أربعة مصانع خلف كل باب منها".
بعد أن دخلنا إلى بعضها، لا يبدو أن كلمة "مصنع" هي الكلمة الصحيحة. في ذروتها، كانت شركة كوراه Corah لصناعة الملابس في لِيستر توظف أكثر من 6000 شخص. والآن مصنع الملابس المتوسط في المملكة المتحدة يوظف أقل من عشرة موظفين، وفقا لأبحاث من جامعة لِيستر.
في الأماكن التي سمح لي بالدخول إليها، كان هناك عمال على ماكينات الخياطة يستمعون إلى الراديو، وألواح كي كبيرة، وطاولات يطوي العاملون الملابس عليها ثم يقومون بتغليفها.
كان أحدهما يبحث عن علامة PrettyLittleThing وهي علامة تجارية "للأزياء السريعة" على الإنترنت تملكها شركة بوهو Boohoo. آخر كان يخيط السراويل من أجل كتالوج لمن هم فوق الأربعين.
يركن خلجي سيارته خارج مبنى شركة إمبريال للآلات الكاتبة، حيث كانت تُصنع الآلات الكاتبة الشهيرة في لِيستر. هذا المبنى الذي يعود إلى الثلاثينيات قديم وقذر الآن. يتم ترقيع نافذة مكسورة فيه باستخدام صندوق من الورق المقوى.
كما أنه أيضا موطن لمصانع الملابس. نصل أنا وخلجي إلى بيت الدرج، حيث تتدلى من السقف مجموعة من الأسلاك المتشابكة. قال أحد الأشخاص الذين زاروا هذا المكان إنه "خائف من أن يكون في داخل المبنى. هناك الكثير من الوحدات الصغيرة، هناك قماش مكدس بأكوام عالية". إنه قلق من خطر حريق محتمل. يقول خلجي إن كثيرا من المصانع بدأت تنتقل الآن لأنها ترى أن المبنى غير آمن. حالة هذا المبنى سيئة للغاية، ولكنها ليست دليلا على المباني الأخرى."
كيف وصلت الصناعة إلى هنا؟ عندما بدأ كبار المصنعين في الرحيل، وصرف بعض العمال أموالهم الفائضة على شراء الآلات التي تركوها وراءهم، أنشأوا وحدات صغيرة، لكن أسعار الملابس استمرت في الانخفاض، وظروف العمل ساءت أكثر في الوقت الذي كانوا يحاولون فيه البقاء في وضع تنافسي.
ومع قيام الحكومات البريطانية المتعاقبة بزيادة الحد الأدنى القانوني للأجور، يبدو أن أجزاء من هذا الجزء من لِيستر انتقلت ببساطة إلى عالم من الاضمحلال. وهي ليست المدينة الوحيدة التي حدث فيه هذا الأمر: فقد تصارعت نيويورك ولوس أنجلوس مع الظروف السيئة في مصانع الملابس، كما فعلت ذلك براتو في إيطاليا.
اليوم، الناس الذين يتقاضون في لِيستر خمسة جنيهات في الساعة "يخرجون من المصانع ورؤوسهم مرتفعة"، كما يقول ميك تشيما، الذي يدير مصنع ملابس يسمى بيسك بريمير Basic Premier والذي يدفع الأجور القانونية.
ويقول إن متوسط الأجر في المصانع المظلمة، كما يسميها، هو نحو 4.25 جنيها في الساعة. غالبا ما تسجل المصانع عددا أدنى من الساعات التي يؤديها العاملون فعلا، لذلك تبدو كشوف الرواتب للأشخاص وكأنهم قد تلقوا الحد الأدنى للأجور.
ويوضح خلجي قائلا: "لنقل إنك تعمل 40 ساعة مقابل أربعة جنيهات (في الساعة)، ولكن القانون يقول إنه ينبغي أن يكون أجرك هو نحو ثمانية جنيهات - لذلك تبين سجلات الدوام لهؤلاء الناس أنهم عملوا 20 ساعة مقابل ثمانية جنيهات في الساعة".
واجه دوشي أياما طيبة وعصيبة فيما يتعلق الأمر بالدفع. عمل ذات مرة لمدة ثلاثة أسابيع بدون أجر، ثم توقف المصنع فجأة عن العمل، ودُفع له 100 جنيه فقط. قبل نحو 18 شهرا، كان يعمل في مصنع في كوبدن هاوس، وهو مبنى مكون من ستة طوابق مزود بأسلاك شائكة على جداره، ويكسب الحد الأدنى من الأجور. ثم أفلست الشركة. "أنا أبكي الآن لأن الشركة أفلست."
صعد إلى الطابق العلوي حيث يوجد مصنع "للأزياء السريعة" لديه وظائف شاغرة. قالوا إن أجره سيكون أربعة جنيهات في الساعة. عندما ذهبت للبحث عنه، يبدو أن المصنع لم يعد موجودا.
أخبرني أحد مسؤولي التصنيع في كوبدن هاوس أن المصانع لا تدوم طويلا دائما. فتح شخص ما في الوحدة المجاورة له "يعمل بكل أنواع الدوام" لتجار التجزئة على الإنترنت، كما يقول، لكنه اختفى بعد ذلك بثلاثة أشهر.
كما هي الحال دائما مع الأمور غير القانونية، فإن التوصل إلى معرفة حجمها أمر صعب. خلصت دراسة أجرتها جامعة لِيستر في عام 2015، بتكليف من مبادرة التجارة الأخلاقية، وهي تحالف لكبار تجار التجزئة والنقابات، إلى أن غالبية عمال صناعة الملابس في المدينة يتلقون أقل من الحد الأدنى للأجور.
عندما قادت السياسية هارييت هارمان مجموعة هنا في العام الماضي من اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان، قدرت أن الأجور كانت بين الثلث وثلاثة أرباع. خلجي لا يتفق معها على ذلك. وكما يقول: "من رأيي أن الرقم هو 99 في المائة. أقول بصراحة، هذه هي المشاكل ونحن بحاجة لمعالجتها". وهو يجادل بأن السبب الرئيسي هو طريقة معاملة تجار التجزئة للموردين.
وكالات الإنفاذ تكشف عن العمال المهاجرين غير الشرعيين في غارات عرضية، ولكن الحياة تستمر. يتذكر تشيما الناس الذين يفرون من مصنع على الجانب الآخر من الشارع أثناء اقتحامه.
ويقول إنه يوجد في مكان قريب مصنع مظلم آخر. ويقول: "كان رئيس هذا المصنع ينظر من بابه إلى الشارع ويُخرج شخصين في كل مرة". عندما تحدث المداهمات، تنتشر الكلمة بسرعة وتمتلئ الشوارع بالناس، في الوقت الذي تصبح فيه المعامل فارغة.
يقول خلجي إن العمال ليست لديهم بالضرورة خيارات أفضل. والكثير منهم إما من جيل دوشي ولم يتعلموا قط الحديث بلغة إنجليزية مفهومة، أو أنهم وصلوا أخيرا من أوروبا الشرقية أو الهند.
ويقول: "هم لا يمتلكون أي مهارة، لذا فإن شركات التصنيع تأخذهم في الواقع وتدربهم وتعطيهم شيئا". في الآونة الأخيرة، كان الناس يأتون من دامان في الهند بجوازات سفر برتغالية، لأن تلك المنطقة كانت مستعمرة. ويقول دوشي: "بعض الناس يكافحون، ماذا تتوقع من ثلاثة جنيهات؟ أربعة جنيهات". سمع بأن هناك منزلا مكونا من ثلاث غرف نوم تعيش فيه ثلاث أو أربع عائلات.
يقول بعض أصحاب المصانع إن العمال يعتقدون أنهم أفضل حالا بأجر أقل وساعات عمل أقل مسجلة في دفاتر الحضور، لأنهم سيحصلون على المزيد من المساعدة من الدولة من خلال الإعفاءات الضريبية ومزايا السكن. إذا كان هذا هو ما يعتقده العمال - ولم أسمعه من أي شخص منهم مباشرة - فهم مخطئون.
تشير الحسابات التي أجرتها مؤسسة الحلول إلى أنه في كل سيناريو من الأفضل أن يتم دفع الحد الأدنى للأجور لمدة 40 ساعة وليس 20 ساعة. على أن من المؤكد أن دافعي الضرائب يخسرون المال لأن العمال يحصلون على أجور أقل بشكل غير قانوني، وذلك لأن الحكومة تضطر لدفع المزيد المنافع، ولأن مصلحة الضرائب والجمارك البريطانية تخسر نحو ألف جنيه في الضريبة من صاحب العمل عن كل عامل.
النقابات التجارية تفتقر إلى وجود قوي هنا. تبذل منظمات المجتمع قصارى جهدها، ولكن تم تقليص التمويل. خسر مركز هايفيلدز Highfields المحلي كل تمويله من المجلس في عام 2015. رئيسه التنفيذي برييا تاموتيرام Priya Thamotheram، الذي يقول إنه قبِل بتخفيض أجره بنسبة 65 في المائة في ذلك الوقت، حريص على تشغيل خدمة المشورة للعمال وتوفير المزيد من البرامج التعليمية، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك من دون المال. ويضيف: "يجب أن يكون الأمر حول بناء ثقتهم وفتح آفاقهم لأشياء أخرى. إذا كنت تمشي في الشوارع في الصباح الباكر في منطقة سانت سيفيَرز، سترى الناس. . . الذين هم من الشباب، والذين هم في أواخر الستينات من العمر، وكل الأعمار بينهما. . . من المحزن رؤية بعض منهم. . . يذهبون إلى هذه المصانع، وبعضها أماكن صغيرة قذرة". شركات التجزئة تدقق حسابات مورديها في لِيستر وتقول إنها لا تعمل مع أي مخالف للقانون. التعاقد من الباطن غير المصرح به مشكلة، ويمكن للمصانع تقديم الدفاتر التي تبدو سليمة لأنها تحتوي على عدد ساعات أقل من ساعات العمل الفعلية. أرسل برنامج ديسباتشيز Dispatches، وهو برنامج تبثه القناة الرابعة، عاملا سريا إلى عدد من المصانع في عام 2010 ومرة أخرى في عام 2017. وفي كلتا المرتين كانوا يتلقون أجورا أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور.


