Author

السكن والإسكان .. وثقافة المجتمع

|

اهتمت الدولة بتوفير السكن لمواطنيها منذ نحو 50 عاما، حيث تولت وزارة المالية والاقتصاد الوطني آنذاك مهمة الإشراف على مشاريع الإسكان، ولم توفق الجهة المختصة في اختيار موقع المشروع الأول في مدينة الرياض فكان مصيره الفشل .. فوجدت الوزارة أن أفضل طريقة هي إيجاد صندوق للتنمية العقارية يمنح القروض للراغبين في البناء ويمكنهم من اختيار الموقع والتصاميم المناسبة لهم، وفعلا أسهم الصندوق بشكل فعال في إنعاش حركة تملك المساكن للمواطنين، لكن كثرة الطلبات ومحدودية موارد الصندوق جعلت الانتظار يصل إلى ما يقارب 15 عاما، وربما أكثر .. وأسندت مهمة الإشراف بعد وزارة المالية إلى وزارة الأشغال العامة التي قامت بإنشاء عمارات سكنية في المدن الرئيسة ولم تجد الشقق السكنية إقبالا، لأن ثقافة المجتمع لم تكن تتقبل هذا النوع من السكن وتبحث عن مساكن كبيرة ومستقلة .. وتأسست بعد ذلك وزارة للإسكان، فكانت أولى الخطوات الصحيحة، ورصدت لها مبالغ كبيرة جدا، ما يؤكد حرص الدولة على حل مشكلة السكن .. لكن المبالغ وحدها دون رؤية واضحة للآليات لم تكن كافية، ولذا تعطلت الوزارة لسنوات .. ثم بدأت في السنوات الأخيرة وبدعم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تتضح آليات التوجه الجديد، الذي يقوم على وضع سياسة واضحة لعودة مشاريع الإسكان بعد طول غياب، وأهم مقومات هذه السياسة، اختيار المواقع الاستراتيجية القريبة من المدن مع توافر الخدمات والتعاون مع المطورين العقاريين بعد إلزامهم بالشروط المطلوبة وبالتكاليف المقبولة التي لا ترهق المواطن، مع السعي لدى جهات الإقراض لتوفير التمويل المطلوب .. وانطلق مشروع "سكني" وغيره من المشاريع في مختلف المناطق، وساعد اختيار المواقع والسعر المعقول على إقبال المواطنين، على الرغم من حملة النقد التي تتعرض لها الوزارة ولا تحاول الرد عليها، لقناعة المسؤولين فيها بأن تعدد المشروعات، والأهم من ذلك إقبال المواطنين عليها، هو الرد القوي على أي انتقاد ربما جاء من حرص على تحفيز الوزارة لتقديم مزيد من الإنجازات لتعويض ما فات من تأخير.
وأخيرا، الإعلان شهريا عن المشاريع الإسكانية ومواقعها في مختلف مناطق بلادنا، يؤكد أن مشكلة الإسكان قد وضعت على طريق الحل بالأفعال وليس بالأقوال والوعود، وإقبال المواطن على مشاريع الإسكان الجديدة جاء بعد أن وجدها تنفذ في أماكن قريبة وقابلة للسكن حتى في مدن ترتفع فيها أسعار الأراضي، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، بعد أن أجبرت رسوم الأراضي البيضاء المطورين على بناء بعض ممتلكاتهم القريبة .. والمطلوب فقط أن تستمر وزارة الإسكان في المتابعة واعتماد الشفافية في التخاطب مع المواطن الذي سئم من الوعود ولم يعد يفهم ويستجيب إلا للغة الأرقام والحقائق.

إنشرها