الدولار القوي يجعل مستثمري الأسواق الناشئة يتصببون عرقا
مستثمرو الأسواق الناشئة عند مفترق طرق، والدولار الأمريكي القوي هو الذي وضعهم هناك.
سايمون كويجانو إيفانز، الخبير الاستراتيجي للأسواق الناشئة في "ليجال آند جنرال أسيت مانيجمنت"، قال: "كل العيون متركزة على شيء واحد: الدولار الأمريكي. كل ذلك يعود إلى السياسة الداخلية للولايات المتحدة، والسياسة الخارجية، والسياسة التجارية ـ ومن خلال ذلك أداء الدولار".
القناعة التي كانت سارية في بداية العام بأن بيع الدولار سيعوض عن المخاطر أصبحت فكرة خاطئة بشكل صارخ، في الوقت الذي تندفع فيه العملة الأمريكية خلال هذا الصيف، متمتعة برياح مواتية.
إذا كان المستثمرون يميلون إلى "البيع في أيار (مايو) وأخذ إجازة"، فلن يكون هناك فيما يبدو أي قطاع مكشوف بدرجة كبيرة مثل الأسواق الناشئة، حيث باعت الشركات والحكومات كميات قياسية من السندات. في مواجهة أسعار الفائدة المنخفضة بشكل شبه قياسي في كثير من الاقتصادات المتقدمة، كان المستثمرون مستعدين للشراء إلى حد كبير.
التجارة العالمية القوية والنمو، إلى جانب التحولات الهيكلية الإيجابية في الميزانيات العمومية لعدة بلدان في الأسواق الناشئة وكذلك ارتفاع أسعار السلع، كانت حجة لا يمكن دحضها تقريبا لصالح الاستثمار في الأسواق الناشئة مع انقلاب التقويم إلى عام 2018. وكان ذلك واضحا في أداء الأصول الناشئة في وقت سابق هذا العام.
لكن التحول في المشاعر يشير إلى أنه بمجرد أن يبدأ الدولار المتعثر، سابقا، في التقدم ويركز المستثمرون على احتمال تعزيز الاقتصاد الأمريكي وارتفاع أسعار الفائدة، فإن الخروج من الأسواق الناشئة يمكن أن يشهد بسرعة تزاحما من المستثمرين.
لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في"بيكتت أسيت مانيجمنت"، يرى أن "التضخم المرتفع، والاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددا، والدولار القوي، والتقلبات المتصاعدة، ليست على الإطلاق مزيجا جيدا بالنسبة إلى الأسواق الناشئة". علاوة على ذلك عملات الأسواق الناشئة "ذات قيمة معقولة ولم تعد رخيصة جدا بعد الآن".
تراجع مؤشر جيه بي مورجان للعملات في الأسواق الناشئة 4.2 في المائة منذ بداية نيسان (أبريل)، في حين تراجعت قيمة السندات بالعملات المحلية 4.5 في المائة. وفاق هذا حالات انخفاض بنسبة 2.6 في المائة في سندات اليورو السيادية و1.3 في المائة في سندات الشركات الأوروبية في مؤشرات الأسواق من جيه بي مورجان.
وبحسب إيفانز "السؤال الذي نطرحه على أنفسنا جميعا هو: هل تستطيع السندات المقومة بالعملات الصعبة أن تتحمل الضغط من جانب العملات المحلية، أو ما إذا كانت الأسواق الناشئة قد ارتفعت درجة في سلم المخاطر".
والسؤال الذي يطرح نفسه على المستثمرين هو: هل يعتقدون أن ارتفاع الدولار سيستمر أكثر أم سيكون هذا انتعاشا عابرا؟ إذا كان الجواب هو الحالة الأولى، عندها سيكون هناك انسحاب أكبر من أصول الأسواق الناشئة، في حين يتطلب السيناريو الأخير الشراء في حالة الانخفاض.
ويلاحظ بيتر كيسلر، من "نورث أسيت مانيجمينت" أن فرصة الشراء تقدم نفسها بالتأكيد، لكن قلقه الآن يدور حول تأثيرات العدوى الناشئة عن ضعف العملات في الأسواق الناشئة.
ويقول: "لا أرى أن عمليات البيع المكثفة في السوق الناشئة للعملات الأجنبية تزداد سوءا بدون عمليات بيع أوسع في أصول الأسواق الناشئة الأخرى، مثل أسعار الفائدة والسندات".
ومن المثير للقلق أن الأدلة التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة تبين أن المستثمرين ينسحبون من سلسلة من أصول الأسواق الناشئة. وبحسب معهد التمويل الدولي، تخلى المستثمرون عن أسهم وسندات الأسواق الناشئة، ملقين باللوم على الدولار القوي وعائدات السندات الأمريكية المرتفعة - تجاوز العائد على السندات القياسية لأجل 10 سنوات أخيرا 3 في المائة للمرة الأولى منذ عام 2014.
وتظهر بيانات معهد التمويل الدولي أن عمليات الشراء عبر الحدود لأسهم وسندات الأسواق الناشئة تحولت إلى سلبية في نيسان (أبريل) للمرة الأولى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، بعدما غادر 200 مليون دولار عقب تدفقات داخلة بلغت أكثر من 50 مليار دولار في الربع الأول.
وكان الانعكاس في تدفقات الأموال أكثر وضوحا في سندات الأسواق الناشئة، حيث سجل معهد التمويل الدولي تدفقات داخلة بلغت 39 مليار دولار في الربع الأول، انخفضت إلى 300 مليون دولار في نيسان (أبريل).
وقالت سونيا جيبس، وهي مديرة أولى في معهد التمويل الدولي: "المخاوف تتعلق بالسندات أكثر مما هي حول الأسهم. ما أزعجنا في نيسان (أبريل) هو أننا بوغتنا بالتباطؤ، وهو توقف التدفقات الداخلة أكثر من التدفقات الفعلية الخارجة، لكن الانعطاف في المشاعر كان مفاجئاً".
ومن بين العملات كان أكبر الخاسرين هم المشتبه بهم المعتادون: الأرجنتين وتركيا وعملات بلدان تعاني عجزا كبيرا في الحساب الجاري واختلالات أخرى. وتم التأكيد على الضغط على الأرجنتين يوم الجمعة بعد أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 40 في المائة في ثالث زيادة له خلال أسبوع.
وأشار معهد التمويل الدولي إلى أن "احتياجات التمويل هي الأعلى" بالنسبة لتركيا والأرجنتين وجنوب إفريقيا وأوكرانيا والهند، في حين أن "تقييمات الأصول تبدو أكثر تشددا" في المجر وكوريا وتايلاند وبولندا وجمهورية التشيك.
لكن الزلوتي البولندي والبيزو المكسيكي انخفضا أيضا، مع بيع المستثمرين الأصول الأكثر سيولة في محافظهم.
ويقول بول ماكنمارا، مدير الأصول في GAM، إن تراجع البيزو يبدو أكثر ارتباطاً بالسياسة المحلية والتوترات التجارية، بينما ربط بيوتر ماتيس، من "رابوبانك"، مخاوف المستثمرين بشأن علاقة بولندا بالاتحاد الأوروبي واعتبره سببا لتراجع الزلوتي.
رغم ذلك يبقى المستثمرون حذرين من إلقاء أصول الأسواق الناشئة للذئاب. فمع أن ارتفاع الدولار كان مثيرا للإعجاب، لا تزال هناك شكوك حول قدرته على الاستمرار. ثم إن واحدا من أكبر عوامل ضعف الدولار - نمو التجارة الأمريكية والعجز في الميزانية - لم يختف.
ولاحظ باوليني الذي اعتبر ارتفاع الدولار ظاهرة مؤقتة مدفوعة بمراكز مكشوفة بشكل استثنائي في العملة وبتمتع الاقتصاد الأمريكي بقوة دفع أقوى من غيره، أن "الاتجاه الهبوطي الطويل الأمد لم يُمَس".
في الوقت الحالي، الدولار الأكثر ثباتًا هو ضمن حدود المقبول لدى المستثمرين في الأسواق الناشئة. وكما لاحظ المحللون في "كوميرزبانك"، بعض الخسائر الأخيرة في عملات الأسواق الناشئة كانت على الأرجح بسبب "التفاؤل المفرط الذي شهدناه خلال الأشهر القليلة الماضية".
وحتى لو استمر الارتفاع في العملة الأمريكية، بحسب ساشا تيهاني، خبير الأسواق الناشئة الاستراتيجي في TD Securities، فإن ذلك لن يكون سلبيا بالكامل بالنسبة للأسواق الناشئة لأن كثيرا من الأساسيات تظل جذابة.
وقال إن التدفقات الداخلة للأسواق الناشئة قد تتباطأ، وقد يسعى المستثمرون إلى التحوط في مراكز الأسواق الناشئة الممتازة، لكن هذا لا يضيف أكثر من مجرد توقف جزئي. "هذا بمنزلة تعبير عن الصبر قبل الشراء عند الانخفاض".
هناك قضية أوسع بالنسبة للمستثمرين في الأسواق الناشئة هي أداء الاقتصاد العالمي. قال كريشنا ميماني، من "أوبنهايمر فندز"، إن الدولار القوي الذي يقف إلى جانب النمو العالمي والتضخم المستقر لا يدعو للقلق. "سيكون النمو في الولايات المتحدة لائقا وكذلك النمو في الأسواق الناشئة".