نظام العمل والحاجة إلى التعديل (1 من 2)
العمل حق مشروع كفله النظام لكل مواطن؛ كونه أهم مصادر الرزق للبشرية، ومن أجل ذلك شرعت الأنظمة والقوانين المنظمة للعلاقة العمالية بين العامل وصاحب العمل، وفي المملكة يوجد نظامان؛ نظام يخص العاملين في القطاع العام "نظام الخدمة المدنية"، ونظام العمل في القطاع الخاص، ويشمل بعض الفئات من العاملين في القطاع العام، ويعتبر الخاضعون للنظام العمل هم الشريحة الكبرى، وهم الأكثر عرضة للتأثر في التقلبات الاقتصادية، الأمر الذي يجعل من نظام العمل أحد أهم الأنظمة، ومع أن نظام العمل السعودي سعى لإحداث التوازن بين حقوق العامل وحقوق صاحب العمل، حيث يجمع بين حرية العامل وسلطة وصلاحية صاحب العمل، ولكون النظام نتاجا لجهد بشري فلا غرابة أن تعتريه بعض جوانب القصور الناتجة عن تغير الظروف والمستجدات من فترة إلى أخرى، وهي جوانب ربما لا تكون واضحة للجميع لكنها واضحة لمن يمارس تطبيق النظام، خاصة العاملين في القضاء العمالي.
وبنظرة سريعة تتضح بعض الثغرات التي تحتاج إلى معالجة، وذلك بإعادة صياغة بعض المواد أو إضافتها للنظام فإذا نظرنا إلى المادة الثامنة التي نصت على أنه: "يبطل كل شرط يخالف أحكام هذا النظام ويبطل كل إبراء أو مصالحة عن الحقوق... أثناء سريان عقد العمل ما لم يكن أكثر فائدة للعامل...) ومع أن المادة ذات طابع حمائي للعامل؛ كونه الطرف الأضعف، إلا أن المشكلة التي تواجهنا في أحيان كثيرة أثناء نظر القضايا العمالية تتمثل في أن العامل يطالب بمستحقات مالية بعينها، بينما يدفع صاحب العمل بأن العامل قد تسلم حقوقه ووقع على "المخالصة"، وفي الوقت ذاته العامل المدعي ينكر صحة تسلمه المستحقات، لكن يقر ويعترف بصحة التوقيع على المخالصة تحت حجج مختلفة منها الضغط عليه أو الإكراه أو الحاجة الماسة إلى الحصول على جزء من المستحقات أو إخلاء الطرف للالتحاق بعمل آخر أو الموافقة على نقل خدماته... إلخ. صحيح أن المرء مؤاخذ بعمل يده ولا إنكار بعد إقرار ولحسم الخلاف حول صحة المخالصة وإنفاذها فمن الملائم إضافة مادة خاصة بالمخالصة تشتمل على جزأين:
أ- حق العامل في الاعتراض على نص المخالصة خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما من تاريخ التوقيع عليها.
ب- إلزام صاحب العمل بتقديم ما يثبت تسلم العامل للمستحقات فعليا مثل تقديم "سند الصرف -الشيك- حوالة مصرفية".
المادة الـ25 من النظام الخاصة بتسجيل بيانات العاملين لدى صاحب العمل التي تعد مخالفتها "سعودة وهمية" وتعني: قيام صاحب العمل بتسجيل اسم أحد المواطنين ضمن العاملين لديه في قوائم الموظفين المقدمة للجهات الحكومية، بينما هو في الحقيقة لا يعمل لديه -وربما لا يعلم أنه قد تمت إضافته كموظف لدى هذه الجهة أو تلك- وذلك بهدف الحصول على بعض الخدمات المقدمة من قبل الحكومة.
وفي هذه المخالفة التي ترقى إلى أن تكون جريمة، حيث يتحقق فيها ثلاثة أمور:
أ- وقوع جريمة تزوير مكتملة الأركان وموجبة للعقوبة تتمثل في تقديم بيانات في محرر رسمي لجهة حكومية بغرض تحقيق فائدة.
ب- حصول صاحب العمل على مميزات وخدمات حكومية غير مستحقة بناء على بيانات غير صحيحة.
ج- تحقق وقوع الضرر على المواطن الذي تم تسجيل اسمه لدى صاحب العمل بطريقة غير مشروعة ومخالفة للنظام وحرمانه من بعض الفرص الوظيفية وغيرها من المنافع.
ومع ذلك نجد أن النظام قد اقتصر على اعتبار ذلك مخالفة للنظام، وقرر إيقاع عقوبة مالية فقط على صاحب العمل، وسكت عن الأجزاء الأخرى من المخالفة، حيث خلا النظام من أي عقوبات جنائية ذات طابع شخصي لمرتكب المخالفة والمسؤول عنها مثل "الإيقاف أو السجن ونحوهما".
عليه فمن المناسب إضافة مادة للنظام تشتمل على ما يلي:
1- تجريم مثل هذا التصرف من صاحب العمل باعتباره عملية تزوير وإحالة مرتكبه إلى جهة الاختصاص وفقا للنظام الجزائي لجرائم التزوير كون الجرم واحدا.
2- إلزام صاحب العمل بتعويض المواطن المستغل اسمه من قبله ماديا وفقا للراتب المسجل لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في حال مطالبته بذلك، حيث تقع المسؤولية المدنية على صاحب العمل التي تلزم الشخص بالتعويض عن الضرر الذي يسببه للشخص الآخر، وهذه الجزئية تنطبق على من يقوم بفصل أحد العاملين لديه من السعوديين ويمتنع عن حذف وإسقاط اسمه من قوائم العاملين لديه لدى المؤسسة العامة للتأمينات ما يلحق به الضرر.
المادة الـ37: جاء فيها "يجب أن يكون عقد عمل غير السعودي مكتوبا ومحدد المدة، وإذا خلا العقد من بيان مدته تعد مدة رخصة العمل هي مدة العقد، بينما تنص المادة الـ55 الفقرة الثانية على: إذا تضمن العقد محدد المدة شرطا يقضي بتجديده لمدة مماثلة أو لمدة محددة... فإن تعدد التجديد ثلاث مرات متتالية أو بلغت مدة العقد الأصلي مع مدة التجديد أربع سنوات أيهما أقل.. تحول العقد إلى عقد غير محدد المدة..." وبالنظر للمادتين نجد أن هناك تفرقة بين العامل السعودي وغير السعودي ولمصلحة غير السعودي، حيث إنه في حالة عقد محدد المدة من ناحية، ومن جهة أخرى رخصة العمل التي حلت محل العقد خاضعة للتجديد بشكل سنوي بقوة النظام ما يعني أن رخصة العمل قد تعدد تجديدها لأكثر من ثلاث مرات متتالية وفي الوقت ذاته تجاوزت خدمة العامل أربع سنوات وما زال في حالة العقد محدد المدة، وبالتالي وجود تعارض بين نص المادتين "ومن الأفضل أن تكون العقود موحدة".
المادة 40: جاء فيها (... يتحمل صاحب العمل... تذكرة عودة العامل إلى موطنه..." ولم تحدد المادة وسيلة النقل التي تتم إعادة العامل من خلالها إلى موطنه وكثير ما تردنا استفسارات من قاضي التنفيذ بهذا الشأن، وعليه يفضل إضافة نص بذلك للمادة كالتالي: "ما لم يحدد عقد العمل وسيلة النقل التي يتم استقدام العامل وإعادته عن طريقها تكون إعادة المدعي إلى موطنه بذات الوسيلة التي استقدم من خلالها...".
المادة الـ51 نصت على "أن يكون العقد مكتوبا ومن نسختين ويحتفظ كل طرف بنسخة... إلخ" إلا أن الواقع يثبت أن ذلك لا يكفي لحفظ حقوق الطرفين، خاصة العامل، حيث يلجأ كثير من أصحاب العمل إلى تدوين راتب أقل من راتب العامل الفعلي لدى المؤسسة العامة للتأمينات بهدف التهرب من سداد نسبة الاشتراك كاملة، ومع مخالفة ذلك للنظام إلا أنه يترتب عليه أمران وهما:
أ- تقديم بيانات غير صحيحة أدت إلى حرمان العامل من الراتب التقاعدي المستحق له وفقا للراتب الفعلي. وكذلك راتب التعويض عن التعطل عن العمل "ساند" في حالة الفصل.
ب- حرمان المؤسسة العامة للتأمينات من نسبة الاشتراك المستحقة فعليا التي تمكنها من الوفاء بالتزاماتها تجاه المشتركين.
لذا فإن الواقع يحتم تعديل المادة، حيث تنص على "أن يكون العقد من ثلاث نسخ يحتفظ كل طرف بنسخة وتزود المؤسسة العامة للتأمينات بنسخة" لحفظ حقوق جميع الأطراف... «يتبع»
* عضو هيئة تسوية الخلافات العمالية بمنطقة الرياض