أيهما أفضل للعيش: لندن أم نيويورك؟ الأولى محبوبة الأطفال

أيهما أفضل للعيش: لندن أم نيويورك؟ الأولى محبوبة الأطفال

"هل نحن ذاهبون إلى إنجلترا القديمة السعيدة، أم إنجلترا العادية فحسب؟". هذا السؤال، كان ردة فعل ابني أوجي، الذي كان قد بلغ للتو سن الرابعة في ذلك الوقت، عندما أخبرناه للمرة الأولى بأننا سننتقل من نيويورك إلى لندن.
كنت أتساءل في نفسي بكلمات مختلفة قليلا وأطرح السؤال نفسه: هل أنا وزوجتي بصدد خوض مغامرة - أم أغنية موريسي للطعام السيئ وأيام الآحاد القاتمة؟
بعد ذلك بأربع سنوات، أستطيع الإبلاغ بأن لندن وإنجلترا اللتين توصلنا إليهما كانتا بلا ريب سعيدتين، لكن يظل السؤال هو: هل بقدر سعادة نيويورك؟
عندما تكون قد عشت في المدينتين العظيمتين من مجموعة الأنجلوسفير، غالبا ما يطرح من سكن فيهما: أيهما المدينة ذات الدرجة الأعلى؟.
بطبيعة الحال، هذا سؤال لا جواب له. كل مدينة منهما هي كون بحاله، لا نعلمه إلا من خلال نظرات خاطفة. وأنا بشكل خاص غير مهيأ للحكم على ذلك، لأن حياتي كانت تقتصر إلى حد كبير على نشاطين لا غير: العمل ومتابعة أطفالي.
بيد أنه في هذا المجال الثاني الضيق، يمكنني تقديم استنتاج لا لبس فيه: بالنسبة للأطفال، لندن هي المدينة الأفضل إلى حد كبير.
بداية، في لندن - على الأقل، ذلك الجزء من لندن الذي قررنا الاستقرار فيه أنا وزوجتي وايلي - تبدو الأبوة وكأنها رياضة أقل تنافسية مما هي في نيويورك.
اخترنا الحي الذي انتقلنا إليه في البداية، وهو حي بالهام في جنوب لندن، بسبب وجود المدارس الابتدائية ذات المستوى الرفيع.
أما الآباء الآخرون في مدرسة هنري كافينديش الابتدائية فهم مثلنا أشخاص محترفون يعملون جاهدين، لكن الشعور في نيويورك بأن الحياة سباق للاستيلاء على كل فرصة متاحة لأطفالك الأعزاء، بات مفقودا.
عندما بلغ أوجي نحو السادسة من عمره لاحظت بأن لديه بعضا من المتاعب نفسها المتعلقة بالتعلم، التي عانيتها في الماضي: فهو يخلط في الكلمات بين الحرفين b و d، وما إلى ذلك.
ذكرت ذلك الأمر بقلق بالغ خلال الاجتماع الأول لأولياء الأمور مع المعلمين. تخيلت نفسي في كون مواز، في مدرسة في نيويورك حيث أرسلت إلى المتخصص في صعوبات التعلم في المدرسة، بعد محادثة جادة تماما حول الاختلافات والفوارق التطورية.
قالت مدرسة أوجي من العالم الحقيقي في لندن: "سنبقي أنظارنا عليه، لكنه سيكون على ما يرام". انزاح الثقل عن كاهلي (وتبين بعد ذلك أنها كانت على صواب).
عندما تأتي عطلة نهاية الأسبوع، نتبع قانون الحياة الأسرية الخالد: إخراج الأطفال من المنزل قبل أن يجن جنونهم. مدينة لندن مناسبة جدا لتحقيق ذلك الغرض. وهذا يبدأ في صباح معظم أيام السبت في رحلة مع إلسي لتعلم دروس التزلج، في مركز الترفيه في ستريثام (الحي الذي انتقلنا إليه عندما ارتفعت إيجارات المنازل في بالهام).
وساحة التزلج هي مركز مجتمعي أصيل. في مساء أيام السبت، يلعب فريق ستريثام Redhawks القوي لعبة هوكي الجليد، بأداء متوسط أمام حشد صاخب من المشجعين منذ وقت طويل.
الرياضات المحلية كهذه الرياضة ليست بالشيء المميز لمدينة نيويورك. فريقنا المحلي المفضل هو نادي كرة القدم دولويتش هاملت، من الدرجة السابعة أو (لعلها الثامنة؟) في الترتيب الهرمي لكرة القدم في إنجلترا - فأنت تدخل أرض الملعب كما لو أنك تدخل محلا لغسيل السيارات، التذاكر رخيصة، والأوشحة هي باللونين الجذابين الأزرق والوردي، والأغاني غير مفهومة على الإطلاق.
زيارة المتحف أمر معهود ضمن نشاطات الأسر في لندن. شهرة المتاحف الكبيرة في مركز لندن تستحق هذه الصفة: أمضينا أمسيات صاخبة ما جعل من المستحيل على الزوار الآخرين الاستمتاع بهدوء في متحف فكتوريا وألبرت.
في أيام السبت، قاعات العرض الرئيسية مزدحمة جدا. ويمكنك إيجاد متنفس في متاحف المدينة الصغيرة التي تعود إلى القرن التاسع عشر. متحف السير جون سون مسكن فخم في كوفنت جاردن، مملوء من أوله إلى آخره بالمصنوعات اليدوية والقطع العابرة التي جمعها المهندس المعماري العظيم من العصر الفيكتوري.
بالنسبة للأطفال، الأفضل من بين المتاحف الصغرى هو متحف هورنيمان في جنوبي لندن، إرث جامع قطع آخر غريب الأطوار. تجد هياكل عظمية وآلات موسيقية وفراشات وملحقات من كل بلد وعصر (لكن يلزمك اتباع التعليمات: لا تلمس فيل البحر أو تجلس على جبل الجليد).
المتنزهات عنصر مهم للغاية في تجهيزات عطلة نهاية الأسبوع العائلية. لا أحد يشك في مجد حديقتي "سنترال" و"بروسبكت" في نيويورك، فهما متنزهان كبيران، مزروعان بشكل جميل، ومنظم.
في المقابل، تتميز لندن بعدد كبير من الحدائق الأصغر حجما ذات الطابع العادي - أقل تشذيبا وأقل ازدحاما ومن حيث الأراضي المشاع. على مسافة قصيرة من منزلنا هنالك حديقتان رائعتان: حديقة توتينج كومون وحديقة بروكويل، ما بين بريكستون دولويتش وهيرن هيل.
وكلاهما تتميزان بوجود برك سباحة رائعة - أو بلاجات. بلاج توتينج بيك فسيح جدا، ضعف طول بركة السباحة الأولمبية. وقد كان يسمى "بحيرة استحمام توتينج" عندما تم افتتاحها قبل قرن من الزمن، ولا تزال تحتفظ بجو منتجع من العصر الفيكتوري.
والمياه، على سبيل التأكيد، ذات درجة حرارة صحية. جئت لأول مرة في صباح يوم من أيام حزيران (يونيو)، ودهشت عندما رأيت معظم السكان المحليين يسيرون وهم يرتدون لباسا مبتلا.
سرعان ما استنتجت أنهم على حق، لكن في اليوم الحار، يحب الأطفال السباحة - ومرة أخرى، ليس هنالك مجال للمقارنة بنيويورك، من حيث الإحساس بأهل الحي المريحين والمنفتحين.
وسط هذه الجهود العقيمة لإنهاك وتشتيت انتباه التوأمين، أنا ووايلي نعزي أنفسنا كما يفعل معظم الآباء والأمهات: من خلال الطعام.
الوضع المعتاد هو أن الطفلين يجراني إلى درس في الدراما أو مكان يلعب فيه الأطفال، وفي طريق العودة أجرهما أنا إلى أحد المطاعم.
مطعم موكسون في كلافام المشهور بسمك الصموت وسرطان البحر البني وسمك الصول، أو أفضل طبق مفضل لدي من الأسماك - وهو غير متوافر في نيويورك على حد علمي – سمك جون دوري ذو اللحم الأبيض من ساحل كورنوول.
معطم كوين، الذين يقع مباشرة قبالة المتنزه، هو أفضل محل لبيع اللحم من المحال التي جربتها (حين أشعر أني لا أطيق الأسعار الكبيرة للغاية، أنتقل إلى أحد محال اللحم الحلال الممتازة، والرخيصة بشكل مذهل في جنوبي لندن).
كذلك تبين لي أن إنجلترا تنتج أنواعا جيدة بشكل مذهل من الأجبان. يستعطفني الطفلان: "بابا، الله يخليك. نريد أن نذهب"، فأقول لهما: لا. لا نستطيع الذهاب الآن. والدكما يحاول أن يختار بين نوعين من الجبنة الزرقاء، وهذا سوف يحتاج إلى بعض الوقت.
بشكل عام، لا مشكلة لدي في اختيار المطاعم. المشكلة هي أن طفلي، وهذا أمر متوقع، هما اللذان أخذاني إلى مطعمي المفضل في لندن.
أول صديق لهما في المدرسة كان صبيا كثير الحركة يدعى سوني – يمتلك والده مطعم The Anchor and Hope، المشهور منذ فترة طويلة بتقديم المأكولات الراقية، والذي لا تبعد كثيرا عن مكاتب صحيفة "فاينانشيال تايمز". الأصوات عالية وودودة بما فيه الكفاية لتغطية الضجيج الآتي من طاولتي، والطعام هو تماما كما أحب – بسيط، وبنكهات قوية، ومحلي.
حين أعود إلى نيويورك، هذه هي الطريقة التي سأصور بها حياتي في لندن: العائلة تجلس حول طاولة في الركن في مطعم Anchor، وأمامي كأس من المرطبات، وطبق كبير من السمك، وزوجتي وأنا نتساءل: ما الذي سنفعله مع الطفلين في عصر هذا اليوم؟

الأكثر قراءة