عندما أبلغت شركة علي بابا الصينية عن تحقيق مبيعات بقيمة 25 مليار دولار خلال تدافع عطلة "عيد العزاب" في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تجاوز المجموع الإجمالي بكل سهولة تقديرات إجمالي معدل مبيعات التجارة الإلكترونية في الهند طوال العام الماضي.
لم يعمل ذلك على وقف شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة من أن تجعل الهند أول مكان رئيسي تغزوه في الخارج، في الوقت الذي تعمل فيه على ضخ استثمارات في البلاد بوتيرة متزايدة.
في الأسبوع الماضي وحده، حصلت على حصة بقيمة 200 مليون دولار في متاجر البقالة الإلكترونية الرائدة "بيج باسكت"، في الوقت الذي وافقت فيه مجموعة المدفوعات التابعة لها، أي "أنت المالية" على تقديم نفس المبلغ من خلال تطبيق طلب الطعام زوماتو.
جاءت تلك الخطوات في أعقاب الاستثمار الأخير في المجموعة اللوجستية إكسبرس بيز، التي شددت على العنصر الأخير من نموذج عمل تجاري ثلاثي الشُّعَب اعتمدته "علي بابا" في موقعها الرئيسي: التسوق والدفع والتسليم.
يقول كاشياب ديورا، صاحب مشاريع تكنولوجيا هندي ومؤلف، "تماما كما تدير شركة أمازون الأمريكية استراتيجيتها العالمية في الهند، ستفعل ذلك شركة علي بابا الصين في الهند".
شركة علي بابا، التي تأسست من قبل معلم لغة إنجليزية سابق هو جاك ما، وبدأت مغامرتها في الهند في شباط (فبراير) من عام 2015، باستثمار غير معلن في شركة التكنولوجيا المالية الناشية بايتم- بحيث أصبحت في وقت لاحق أكبر داعم لها، بعد عملية ضخ أخرى بلغت قيمتها 680 مليون دولار، ومن ثم حصلت على حصة الأغلبية في وحدة التجارة الإلكترونية في الشركة.
الهند والصين هما سوقان مختلفتان إلى حد كبير في مجال التجارة الإلكترونية. تجلب الهند منافسة شرسة - بما في ذلك منافستها مع "أمازون" الثرية جدا، التي نادرا ما تعمل في الصين - وبنية تحتية رديئة النوعية وعدد سكان أكثر فقرا.
يعترف أميتافا ساها، المشارك في تأسيس شركة إكسبرس بيز الهندية، بأن الأمور اللوجستية تشكل أيضا تحديا أكثر صرامة في الهند.
التسوق في البقالة عبر الإنترنت يعتمد على الحجم، ما يمكن شركة علي بابا في الصين من خدمة الزبائن في غضون ساعات، من خلال شبكة ضخمة من المستودعات المحلية الصغيرة.
كما أن طاقة الاستيعاب المحدودة في الهند تجعل مثل هذه الأنظمة باهظة التكاليف بشكل كبير، بحسب ما يقول.
الأكثر أهمية من ذلك كله لدى الهنود هو ما تتيحه شركة على بابا الصينية من قوة إنفاق أقل.
في ظل معدل 1709 دولارات، هي متوسط الدخل الاسمي للفرد في الهند، فإن ذلك يمثل أقل من ربع متوسط دخل الفرد في الصين، الذي يبلغ 8123 دولارا، استنادا إلى إحصائيات عام 2016. كما أن الهنود أيضا أقل استعدادا للتسوق عبر الإنترنت: أقل من ربع الشعب الهندي كان لديه هاتف ذكي في العام الماضي، وفقا لبحوث أجريت من قبل شبكة أوميديار، وثلث تلك الأجهزة ليس فيها اتصال بالإنترنت. في الصين، يمتلك نصف عدد السكان هاتفا ذكيا.
لا تزال التجارة الإلكترونية تستأثر بجزء ضئيل جدا من تجارة التجزئة الهندية، بحجم مبيعات وصلت إلى 19.6 مليار دولار العام الماضي، مرتفعة بنسبة 20 في المائة على أساس سنوي، وفقا لبحوث وكالة فوريستر.
كان ذلك تباطؤا ملحوظا من الوتيرة التي بلغت نسبتها 103 في المائة قبل عامين، لأن شركات التجارة الإلكترونية كافحت من أجل توسيع نطاق قاعدتها من العملاء، لتتجاوز القواعد الأولى المزدهرة في المدن الكبيرة.
مع ذلك، ستستمر الصفقات في الوقت الذي تحصل فيه الشركات على حصص لها في هذا المجال، بحسب ما يقول بهافتوش فاجبايي، المحلل لدى وكالة بيرنشتاين للبحوث.
في الوقت الذي تبني فيه شركة علي بابا نظامها الأيكولوجي، تعمل كل من شركة التكنولوجيا المنافسة: تينسنت من الصين وسوفت بانك من اليابان – والأخيرة مساهم كبير في شركة علي بابا - على فرض قوتهما على شركة التجارة الإلكترونية المحلية فليبكارت في الهند.
ويضيف "المستوى الذي بدأت فيه الصين قبل 15 إلى 20 عاما، هو لربما المستوى الذي وصلت إليه الهند الآن"، إنها الآن في المراحل الأولى لما سيتبين أنه لعبة طويلة الأجل.
في الوقت نفسه، التزمت شركة أمازون بدفع مبلغ خمسة مليارات دولار للهند، بعد أن جعلتها أولوية دولية رئيسية بالنسبة إليها.
تواجه شركة علي بابا هذا الأمر من خلال استراتيجية تركز على شركة بايتم، التي أسسها فيجاي شيكار شارما، الذي يدعي أنه استوحى الإلهام من خطاب ألقاه ما مادور ديورا في عام 2011، وهو كبير الإداريين الماليين، قال فيه "إن منصة التسوق والدفع مماثلة جدا للنموذج المحلي لدى شركة علي بابا، لكن هنالك اختلافات مهمة، فيما يتعلق بالتركيز".
أحد هذه الاختلافات هو تسلسل النظام الأيكولوجي الذي وضعته شركة علي بابا في مجال التجارة الإلكترونية.
في الصين بدأت مع التجار، ثم تلا ذلك النقلة إلى المدفوعات والأمور اللوجستية. وتسعى شركة بايتم لتوسيع النطاق في الاتجاه المعاكس.
وهي حتى الآن مشغل المدفوعات الرقمي الأكثر شعبية في الهند، في ظل أكثر من 200 مليون مستخدم مسجل لديها.
مع دعم شركة علي بابا، عملت شركة بايتم على توسيع نطاق جناح الخدمات المالية فيها، إلا أنها لا تزال تفتقر نوعا ما إلى القيادة في التجارة الإلكترونية.
بعد عام من سيطرة شركة علي بابا على المنصة، حققت ثلثي المبيعات الشهرية لكل من شركتي فليبكارت وآمازون، وفقا لشخص قريب من شركة بايتم.
العام الماضي، أعيد إطلاق الشركة باسم بايتم مول، سعيا لإيجاد نموذج أقرب إلى نموذج شركة علي بابا: سوق افتراضية من نوعية شركة إي باي للتسويق الإلكتروني، لمصلحة التجار من أجل تسويق بضائعهم، بدلا من نموذج المتاجر المليئة بالمخزونات، وذات رأس المال الكبير، المتبعة من قبل شركتي أمازون وفليبكارت.
يقدم هذا النهج لشركة علي بابا إمكانية التوسع بشكل أسرع بكثير وبتكلفة أقل من منافساتها من الشركات الهندية، بحسب ما يقول سانشيت فير جوجيا، مؤسس المجموعة الاستشارية جريهاوند للمعرفة.
ويضيف "إن نموذجهم ذو مخزون أقل بحيث يمكنهم فعليا تركيز استثماراتهم على بناء الشبكة".
لدى شركة بايتم فرص خاصة في المدن الهندية الأصغر حجماً، حيث حظيت الشركات المنافسة في مجال التجارة الإلكترونية بتأثير محدود، لكن ذلك قد يكون محفزا كبير للنمو في المستقبل، بحسب ما يضيف.
شركة علي بابا تستهدف أيضا العملاء ذوي الدخل الأعلى في المدن الرئيسية - كما ثبت من خلال استثماراتها في شركة بيج باسكت، التي تعتبر خدمة البقالة الراقية لديها مفضلة من قبل عدد متزايد من الأسر الهندية الميسورة.
يعكس هذا التحرك رغبة شركة علي بابا في إيجاد شبكة شاملة متكاملة بعمق، ضمن الشركات التي توجه العملاء من خدمة رقمية إلى أخرى.
يقول هاري مينون، الرئيس التنفيذي لشركة بيج باسكت "سنحصل على إمكانية الوصول إلى كمية هائلة من العملاء من خلال علاقتنا الجديدة بشركة بايتم".
هذا التحرك الذي حققته شركة علي بابا في الهند ليس فيه أي دلالة على التراجع، حيث إنها تمضي قدما في تقديم خدمات أخرى كانت رائدة في تقديمها في الصين.
في الشهر الماضي، شرعت في تكوين علاقة ما بين شركة بايتم والشركة الفرعية لها في هونج، التي تحمل اسم كونج إيه جي تيك، إضافة إلى إطلاق أول مركز بيانات هندي لخدماتها الحاسوبية السحابية، في محاولة لاجتذاب عملاء التجارة الهنود بعيدا عن عروض الشركة المنافسة أمازون.
كما تتطلع أيضا إلى تحرك في مجال بث مقاطع الفيديو في الهند، ما يجعلها في منافسة وجها لوجه مع شركات من شاكلة أمازون ونيتفليكس وستار إنديا، الشركة الهندية الرئيسية التي يسيطر عليها روبرت ميردوك.
في النهاية، بحسب ما يقول ساتيش مينا، المحلل لدى وكالة فوريستر للبحوث، ستصل شركة علي بابا "إلى مرحلة تعتقد فيها أنها حققت كل شيء.
ومن ثم تستطيع حقا البدء في تحقيق المكاسب الكبيرة".


