بعد أن كانوا على مدى سنوات يتنافسون على اقتناء أفخم السيارات وأكثرها قوة في العالم، دون أي اعتبار لحجم استهلاكها من الوقود، كيف لا وأسعاره في دولهم هي الأقل عالميا كدول منتجة للنفط، شرع السعوديون أخيرا ومعهم نظراؤهم الخليجيون في إعادة النظر في نوع السيارات التي يقتنونها، بعد أن طرأت خلال السنتين الماضيتين تغيرات كبيرة في أسعار الوقود "البنزين والديزل، وغيره"، بنسب بلغت في بعض الدول الخليجية نحو 240 في المائة للبنزين "95 أوكتين" و204 في المائة البنزين "91 أوكتين".
التغيرات التي تطرأ على أسعار الوقود في دول الخليج هي ضمن خطة إصلاح اقتصادي تهدف إلى الحد من استهلاكه من جانب وتوفير إيرادات إضافية لميزانيات الدول من جانب آخر، وهي مستمرة وفق بعض الخطط حتى 2020 وقد تبلغ نسبة الزيادة حينها أكبر، هذا إلى جانب ضرائب القيمة المضافة على السيارات الجديدة والمستعملة بنسبة 5 في المائة التي بدأ تطبيقها في السعودية والإمارات، إلى جانب اكتمال منظومة النقل العام داخل المدن السعودية بحلول 2020.
"الاقتصادية" تحاول في هذا التقرير رصد التغيرات التي بدأت فعليا تحدث في السوق المحلية وتحديدا في أسواق السيارات في الرياض وجدة بعد الرفع الأخير لأسعار البنزين.. وهنا المحصلة:
سوق السيارات في المملكة
يظهر رصد سريع للأعوام من 2012 إلى 2016 أن متوسط مبيعات السيارات الجديدة في المملكة يراوح بين 750 ألفا إلى 850 ألف سيارة سنويا، وأن نسبة النمو السنوي تراوح بين 5 إلى 8 في المائة، فيما يبلغ متوسط الواردات من السيارات المستعملة نحو 50 ألف سيارة مستعملة، إلى جانب سوق محلية تدير سيارات مستعملة واسعة لم يتم تقدير قيمتها، حيث تعتبر سوق السيارات في السعودية أكبر سوق للسيارات في الشرق الأوسط، إذ تبلغ قيمة سوق السيارات السعودية ما يقارب 22 مليار دولار، وتحتل السيارات اليابانية المرتبة الأولى من حيث المبيعات فيها، تليها السيارات الأمريكية، ثم الكورية.
واقع معارض السيارات
رصدت "الاقتصادية" خلال جولة على معارض السيارات في الرياض، انخفاض أسعار السيارات الكبيرة المستعملة بنسبة تجاوزت 5 في المائة، جراء ارتفاع أسعار البنزين، بينما ارتفعت أسعار السيارات الصغيرة إلى نسبة راوحت بين 5-7 في المائة حسب نوع السيارة، وحسب صرفها للبنزين الموضح على بطاقة الاستهلاك، وذلك وفق تقديرات متعاملين في سوق السيارات المستعملة.
وقال يوسف المالكي رئيس طائفة معارض السيارات في الرياض، "إن حركة المبيعات للسيارات المستعملة في السوق السعودية تأثرت بارتفاع سعر البنزين، حيث ارتفعت مبيعات السيارات الأكثر توفيرا للوقود ذات الأربعة سلندرات بنسبة تجاوزت 10 في المائة، كما شهدت حركة بيع السيارات الكبيرة والأكثر استهلاكا للوقود ذات الثمانية سلندرات تراجعا في الإقبال بنسبة 10 -30 في المائة، خلال الأيام العشرة الماضية.
وحول أسعار السيارات، قال عبدالله الرجباني سمسار سيارات "شريطي"، "إن أسعار السيارات الصغيرة ارتفعت ما بين 5 إلى 7 في المائة حسب ماركة السيارة ونسبة صرف الوقود"، مضيفا أن "أسعار السيارات الكبيرة شهدت انخفاضا بنسبة تجاوزت 5 في المائة، نسبة إلى ضعف الإقبال عليها".
وتوقع ألا يتجاوز ارتفاع أسعار السيارات الصغيرة أكثر من 7 في المائة، مبينا أن السوق ستشهد استقرارا في الأسعار خلال الأيام المقبلة.
في المقابل أكد لـ "الاقتصادية" متخصصون في قطاع السيارات، أن ضريبة القيمة المضافة وارتفاع أسعار الوقود، غيرت المعادلة في سوق السيارات في السعودية، وأصبح اهتمام المستهلكين بالسيارات الهجين والسيارات الاقتصادية وسيارات الديزل، كما أن "بطاقة استهلاك" باتت معيارا مهما يعتمده السعوديون والمقيمون في السوق المحلية عند شراء السيارة.
هذا ما يؤكده طه الغامدي متخصص في قطاع السيارات ونائب رئيس لجنة معارض السيارات في الغرفة التجارية الصناعية في جدة سابقا، إذ يرى من ناحيته أن تفكير المستهلك اختلف عن السابق وتحديدا قبل ارتفاع أسعار الوقود.
وأشار إلى أن تفكير المستهلك أصبح بشكل حسابي، حيث كانت الحسابات المرتبطة بالوقود، لا تأخذ اهتمام المستهلك، لكن الآن بعد ارتفاع أسعار الوقود أصبح هناك ترشيد في المصاريف والاستهلاك بطريقة أذكى.
وتابع "من الطبيعي أن تتأثر سوق السيارات بالتغيرات التي طرأت على أسعار الوقود في المملكة، حيث إن معظم المجتمع من فئة الشباب، وهي الشريحة الأكبر وتتجه عادة هذه الفئة إلى السيارات الفارهة والرياضية، ومع ارتفاع أسعار الوقود ستتجه إلى السيارات الاقتصادية".
ونوه بأن التأثير ليس في الواقع بل في السلوك، والحسابات ستختلف، وسيتم التفكير بشكل منضبط بدلا من التفكير العشوائي سابقا، مضيفا، أن "الذي لم يفكر سابقا سيبدأ التفكير الآن ومستقبلا، مع التغيرات التي ستطرأ على الأسعار والسوق لاحقا".
وقال الغامدي "إن الاهتمام ببطاقة كفاءة الطاقة للمركبات، وجميع العوامل والتغيرات التي تحدث في السوق، ستنعكس بلا شك على سلوك وثقافة المستهلكين في السوق"، لافتا إلى أن السيارات الهجينة والسيارات الاقتصادية سترتفع مبيعاتها وسيرتفع الطلب عليها خلال الفترات المقبلة، حيث لوحظ أن هناك طلبات عليها واستفسارات حولها.
ضريبة القيمة المضافة
من جهة أخرى، قال لـ "الاقتصادية" سعد العتيبي، رئيس طائفة معارض السيارات، "إن فرض ضريبة القيمة المضافة لم تؤثر بشكل كبير في مبيعات السيارات المستعملة، وذلك نظرا إلى النسبة المحددة بـ 5 في المائة، التي تراوح بين 500 إلى 2500 ريال فقط، للسيارات المستعملة التي تراوح قيمتها بين عشرة آلاف إلى 50 ألف ريال".
وأضاف، "تأثيرات فرض ضريبة المضافة لم تظهر بشكل ملحوظ حتى الآن، نسبة لقصر مدة التطبيق في 1 كانون الثاني (يناير) الجاري، ولم نشهد تغيرات في سوق مبيعات السيارات المستعملة".
وأوضح، رئيس طائفة معارض السيارات، أن المخاطبات مستمرة بين الطائفة والهيئة العامة للزكاة والدخل، بخصوص ضريبة السيارات المستعملة التابعة للوسطاء "الشريطية" في معارض السيارات، مؤكدا أن المخاطبات لإيضاح الرؤية كاملة، تجنبا لمخالفات التهرب الضريبي.
وتقدم رئيس طائفة معارض السيارات في جدة، نيابة عن تجار معارض السيارات، بعدد من الاستفسارات التي تتعلق بمبيعات السيارات المستعملة، إلى الهيئة العامة للزكاة.
وقال العتيبي، "إنه حسب الفهم المبدئي فإنه تم فرض الضرائب على السيارات المستعملة في معارض السيارات، ولا يتم تطبيقها على مبيعات السيارات المستعملة بين الأفراد، بحسب تعليمات هيئة الزكاة، مبينا أنه يتم فرض الضريبة على عمولة الخدمة فقط، في مبيعات الأفراد.
وتابع، "يوجد لدينا عديد من السيارات التابعة للوسطاء، لكن مبيعات تلك السيارات تدخل في حسابات معارض السيارات، حيث إن أي تعاملات مالية للوسطاء تبقى لدى معارض السيارات"، موضحا أن "هذا هو العرف بين التجار".
من جانبه، قال عويضة الجهني، رئيس لجنة معارض السيارات في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، "إن حركة مبيعات السيارات المستعملة شهدت نشاطا ملحوظا قبل نهاية عام 2017، وتحديدا قبل فرض ضريبة القيمة المضافة".
وحول تأثيرات الضريبة المضافة، أكد أن جميع الأسواق ومنها سوق السيارات تحسنت خلال ديسمبر نهاية العام الماضي 2017، وذلك قبل تطبيق الضريبة المضافة، وهذا يدلل على تعدل السلوك، وتغيير الثقافة لدى المستهلكين.
ولفت العتيبي إلى أن الضريبة المضافة لم تفرض سوى مع مطلع العام الجديد 2018، لذلك لم تظهر التأثيرات بشكل ملحوظ حتى الآن، ولم نشهد أي تغيرات في سوق مبيعات السيارات المستعملة، وليس لتطبيق الضريبة المضافة أي تأثير حتى الآن، إلا أن عويضة الجهني رئيس لجنة معارض السيارات في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، يؤكد أن حركة مبيعات السيارات المستعملة شهدت نشاطا ملحوظا قبل نهاية العام، وتحديدا قبل فرض ضريبة القيمة المضافة والأسعار الجديدة للبنزين. وأكد الجهني أن مبيعات السيارات المستعملة تشهد ركودا منذ فرض ضريبة القيمة المضافة، وارتفاع التكاليف وزيادة أسعار السيارات المستعملة مقارنة بالأسعار قبل فرض ضريبة القيمة المضافة. وهنا قال لـ "الاقتصادية" حمود الحربي المتحدث الرسمي للهيئة العامة للزكاة والدخل، "إذا كانت السيارة المستعملة يقوم ببيعها معرض خاضع للضريبة بمعنى دخله أعلى من مليون ريال، فإنه يجب عليه فرض ضريبة عند قيامه ببيعها".
كما أكدت هيئة الزكاة والدخل أن مبيعات السيارات في معارض السيارات تفرض عليها ضريبة 5 في المائة، أما المبيعات بين الأفراد فتفرض الضريبة على عمولة الخدمة فقط.
ماذا عن أسعار التأمين؟
أسعار الطاقة والضريبة ليست وحدها التي تؤثر في مشهد سوق السيارات في المملكة، فمنذ بداية العام الجديد شهدت السوق تضاربا بشأن أسعار التأمين على المركبات، حيث أكد متعاملون في القطاع، ارتفاع الأسعار، فيما نفت شركات التأمين وجود زيادة في أسعار التأمين على المركبات.
وقال لـ "الاقتصادية"، متعاملون في قطاع السيارات، "إن أسعار التأمين الإلزامي على المركبات ارتفعت مقارنة بالأسعار بنهاية العام المنصرم 2017".
من جهته، نفى عادل العيسى المتحدث الرسمي باسم شركات التأمين، ارتفاع أسعار التأمين على المركبات مع مطلع العام الجديد 2018.
وأضاف لـ "الاقتصادية"، أنه "لم يحدث أي ارتفاع في الأسعار، حيث إنها ليست مرتبطة بمواسم بل توضع على أسس علمية وإحصائية، عن طريق المختصين الاكتواريين"، مشيرا إلى أن أسعار التأمين على المركبات، تختلف من شركة إلى أخرى، مبينا أن الأسعار في الوقت الحالي كما هي دون تغير.
من جانبه، أكد مسؤول في قطاع السيارات، أن بعض شركات التأمين على المركبات، رفعت أسعار التأمين على المركبات، مطلع يناير الجاري، من مستويات بين 700 إلى 800 ريال، إلى مستويات تراوح بين 1200 و1500 ريال تقريبا.
وأوضح أن بعض شركات التأمين توقفت عن إصدار وثائق التأمين الإلزامي على المركبات، خلال اليومين الأخيرين من العام المنصرم 2017، حيث بدأت مطلع العام الجديد 2018، بإصدار وثائق جديدة، بعد رفع أسعار وثائق التأمين الإلزامي على المركبات.
وفي ذات السياق، قال أحمد آل خضران المختص في قطاع السيارات والتأمين، "إن بعض وثائق التأمين على المركبات، شهدت زيادة في الأسعار مطلع العام الجديد، مقارنة بالأسعار في 2017".





