رواد الأعمال

هل يمكن للمسمى الوظيفي أن يغير شخصيتك؟

هل يمكن للمسمى الوظيفي أن يغير شخصيتك؟

هل يمكن للمسمى الوظيفي أن يغير شخصيتك؟

هل يمكن للمسمى الوظيفي أن يغير شخصيتك؟

قبل أن تحتقر ترقيةً ما بسبب المسمى الوظيفي الذي ستحمله إذا حصلت عليها، أو تسخر من وظيفة جديدة استحدثتها شركتك لأنك ترى أن مسماها يثير الضحك، عليك أن تضع في الاعتبار أن مزايا المسميات الوظيفية قد تفوق ما يمكن أن تعتقده.
هل يمكن لنيل مسمياتٌ وظيفية مُلهمة أو مثيرةً للإعجاب أن يجعلنا نشعر بثقةٍ أكبر في أنفسنا، أو ننظر إلى ذواتنا على نحو إيجابي أكثر؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير سلوكياتنا في الواقع؟
في هذا الإطار، تشير الدراسات إلى أن تلك المسميات تمنحنا شعوراً أكبر بالسعادة والراحة النفسية، وتعزز إحساسنا بالسيطرة والقدرة على التحكم، وتحمينا كذلك من الشعور بالـ"التجاهل" و"النبذ" على الصعيد الاجتماعي، كما أنها قد تشجعنا حتى على التقدم بطلب للالتحاق بالوظائف المرتبطة بها من الأصل بحسب ما ذكرت الـ "BBC".
مسميات وظيفية "طنانة"
في عام 2012، أظهر تقرير أعدته مؤسسة بريطانية بحثية تحمل اسم "ريزليوشن فاوندايشن"، أن الاتجاه نحو منح العاملين مسميات وظيفية طنانة أو مُبالغاً فيها بالمقارنة بالدور الذي يُناط بهم، آخذٌ في التزايد في المملكة المتحدة.
إيجابيات توفير بيئة عمل سعيدة
إذ تبين أن هناك عدداً أكبر من الموظفين باتوا يحملون مسمياتٍ وظيفية تبدو رفيعة المستوى، في وقت يتقاضون فيه الرواتب التي يحصل عليها من يشغلون المستويات الإدارية الوسطى. فعلى سبيل المثال، بتحليل رواتب العاملين في قطاع التجزئة، تبين أن نسبة المديرين منهم ممن يتقاضون أقل من 400 جنيه إسترليني (543 دولاراً أمريكياً) أسبوعياً، زادت من 37 في المئة إلى نحو 60 في المئة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويطرح ذلك سؤالاً: ما الذي سيجلبه الترقي في العمل للمرء، إن لم يكن زيادة مادية في الراتب وملحقاته؟ بطبيعة الحال، هناك في البداية مكانة أفضل. وفي هذا الشأن، يقول الخبير الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل جون هارساني إنه بخلاف المكافأة الاقتصادية التي قد تنطوي عليها الترقية، فإن المكانة الاجتماعية الجديدة المرتبطة بها تبدو أكثر القوى المُحفزة والدافعة للسلوك الاجتماعي، أهمية.
ففي ضوء ما يمكن أن يشير له المسمى الوظيفي اللافت والمرموق من تبوء المرء مكانةً اجتماعيةً أكثر رفعة، من غير المستغرب أن نرى العاملين وهم يطمحون في اكتساب مثل هذه المسميات، دون أن يصحب ذلك في كثيرٍ من الأحيان حصولهم على مميزات مادية أو مسؤوليات إدارية تكافئ ما بات يُطلق عليهم من ألقاب في مكان العمل.
فوفقاً لدراسة أجرتها كلية باور للاقتصاد والأعمال في جامعة هيوستن الأمريكية عام 2010، يمكن أن يشكل اكتساب شخصٍ ما مسمى وظيفياً مثل "نائب رئيس" - بمصرفٍ مثل "ميريل لينش" - "إشارةً علنيةً تفيد بأنه ذو قيمة عالية".
وأشارت الدراسة نفسها إلى أن إضافة لقب "سابق" إلى ذلك المسمى الوظيفي، يعطي انطباعاً بأنه ليس سوى لقبٍ ذي طابع تشريفي لحامله أكثر من كونه "وصفاً مرتبطاً بمنصبٍ بعينه" في تلك المؤسسة المصرفية.
مسميات وظيفية "خيالية"
لكن التحلي بمسمى وظيفي لا ينطبق تماماً على الدور المُناط بصاحبه، لا يرتبط فقط بالمكانة الاجتماعية لهذا الشخص. بل إن جعل هذا المسمى ذا طابع خيالي بشكل أكبر، قد يؤثر على سلوك من يكتسبه، كما أفاد باحثون.
من بين هؤلاء الباحثين، سوزان فينتر ليرتش، التي ابتكرت أسلوباً جديداً على صعيد إطلاق مسميات وظيفية على العاملين. واستوحت ليرتش هذا الأسلوب من حضورها مؤتمراً عُقد عام 2013 في مدينة "ديزني لاند" الترفيهية الشهيرة في الولايات المتحدة، اكتشفت خلاله أن من يعملون في هذه المدينة يُطلق عليهم اسم "أعضاء فريق التمثيل".
فعندئذٍ عادت الرئيسة التنفيذية السابقة لمنظمة غير هادفة للربح - تحمل اسم "مَيك أ ويش" (أو حقق أمنية)- وتعمل في مجال تحقيق أمنيات الأطفال الذين يعانون من أمراضٍ تهدد حياتهم، إلى مكتبها، وقالت لموظفيها إنه بوسع كل منهم أن يختار لنفسه مسمى وظيفياً جديداً ذا طابع خيالي ولا يُشترط فيه الجدية، لكي يُطلق عليه بجانب مسماه الوظيفي الأصلي، وذلك بهدف أن تعكس تلك المسميات الجديدة "أدوارهم وهوياتهم فائقة الأهمية في المؤسسة".
المفهوم الياباني لتحقيق السعادة في الحياة والعمل
وقد اختارت سوزان لنفسها مسمى "عرابة الأمنيات الخيالية"، أما الرئيس التنفيذي للمنظمة فقد اختار أن يطلق على منصبه الوظيفي اسم "وزير الدولارات والإحساس".
وقد أجرى باحثون من جامعة بنسلفانيا وكلية لندن للأعمال مقابلاتٍ مع العاملين في هذه المنظمة بعد عامٍ ونصف العام من بدء تطبيق النظام الجديد. وكشف هؤلاء الباحثون النقاب عن أن هذه المسميات التي اختارها العاملون ليعكسوا من خلالها رؤيتهم لذواتهم، قللت من شعورهم بـ"الإعياء والانهاك" على الصعيد الانفعالي، وساعدتهم على التعامل مع "التحديات العاطفية والشعورية"، وسمحت لهم بتأكيد هوياتهم في مكان عملهم.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث دانييل كيبل إن هذه المسميات فتحت الباب أمام أولئك العاملين ليروا أنفسهم كبشر وليس كشاغلي وظائفٍ ما ليس إلا.
وفي وقت لاحق، اختبر كيبل وفريقه صحة النتائج التي توصلوا إليها من خلال دراستهم هذه، على العاملين في المستشفيات، إذ طلبوا من هؤلاء العاملين أن يختاروا لأنفسهم مسمياتٍ وظيفيةً جديدة بدورهم. وفي هذا السياق اختار أخصائي في علاج الأمراض المعدية لنفسه لقب "قاتل الجراثيم"، بينما لُقِبَ فني أشعة بـ"الباحث عن العظام".
وكشفت الدراسة عن أن العاملين قالوا - بعد خمسة أسابيع من بدئها - إن مستويات "إنهاكهم الانفعالي والعاطفي" تراجعت. كما سُجِل انخفاضٌ نسبته 11 في المئة في معدلات ما تُبلغ به الإدارة، بشأن معاناة العمال مما قد يُعرف باسم "الاحتراق النفسي" والبدني.
وتشير قوة العلاقة بين المسميات الوظيفية التي نحملها وشعورنا بالراحة النفسية والانفعالية إلى أن مثل هذه المسميات يمكن أن تعكس هويتنا، بل وتقوم ذلك بالفعل. ولكن يتعين علينا القول هنا إن مسألة الهوية يمكن أن تكون عاملاً يحدد مسألة تفكيرنا في التقدم بطلبٍ للالتحاق بوظيفة ما أم لا.
ففي أوائل عام 2015، أدركت شركة "بَفر" المختصة بالعمل في مجال إدارة منصات وسائل التواصل الاجتماعي أنه لا يوجد أي نساء في فريق العاملين الفنيين لديها.
لذا قررت إدارة الشركة إدراج مُسمى "مُطوِر" بدلاً من "قرصان إلكتروني" في قائمة مسمياتها الوظيفية، وهو ما أدى إلى زيادة عدد المتقدمات لشغل وظائف ذات طابع تقني وفني فيها، ليفضي ذلك إلى أن تصل نسبة النساء العاملات في فريقها من الفنيين في الوقت الراهن، إلى 11.5 في المئة.
تأثير سلوكي
وقد توصل الباحثون إلى أن منح الموظف مسمى وظيفياً يبدو أكثر تميزاً ورفعة، قد يدفعه للتصرف بشكل أكثر مسؤولية، لأن ذلك يجعله يشعر بسعادة أكبر في مكان العمل.
فقد اكتشف أستاذ علم الاجتماع جيفري لوكاس أن منح الموظفين - الذين يتميزون بمستوى أداء مرتفع- ألقاباً وظيفية مرموقة قد يمنعهم من ترك أعمالهم والانتقال إلى أماكن عملٍ أخرى.
هل يسهم المزاح دائما في إشاعة السعادة في مكان العمل؟
وقد أجرى في هذا الشأن تجربتين اكتشف من خلالهما أن العاملين الذين مُنِحوا مسميات وظيفية توحي بالأهمية "أظهروا مؤشراتٍ تفيد بأنهم يشعرون برضا أكبر، كما أبدوا التزاماً أشد، وأدوا أعمالهم على نحوٍ أفضل، كما أظهروا نوايا أقل على صعيد الرغبة في تغيير وظائفهم" مُقارنةً بغيرهم ممن لم يتم منحهم تلك المسميات.
ورغم أن هذه الدراسات قد جرت قبل عقدين تقريباً، إذ تعود إلى عام 1999، فإن لوكاس - الذي يعمل حالياً في جامعة ميريلاند الأمريكية - يقول إنه يعتقد أن نتائجها لا تزال مُعبرة عن الوضع السائد في أماكن العمل في الوقت الراهن.
ويقول الرجل إن نسبةً معتبرةً من الدراسات التي جرت منذ نشر هذه الدراسة، أكدت أن الناس يفضلون - بل ويستمتعون - بالمزايا الكامنة في شغل مواقع وظيفية ذات مكانة متميزة.
لكن لوكاس يستطرد بالقول إن من الأهمية بمكان - إذا كنا بصدد الحديث عن أهمية المسميات الوظيفية - أن نضع في الاعتبار ضرورة أن يدرك الناس أن المسميات المرموقة في هذا الشأن، تمنح مكانةً اجتماعيةً رفيعة المستوى بالفعل، مشيراً إلى أنه من غير المرجح أن يكتسب المرء أي فوائد إيجابية من التحلي بألقاب طنانة ومُبالغ فيها يدرك الآخرون أنها لا تعطي أصحابها مكانةً مُكافِئةً لها.
بجانب ذلك، أشارت دراسة أجريت عام 2013 في جامعة "كاليفورنيا - بركلي" الأمريكية إلى أن الأشخاص الذين يُختارون لشغل مواقع وظيفية ذات سلطات ونفوذ بعينه، يكونون أسرع من غيرهم في التعافي من الآثار السلبية للمواقف التي يتعرضون فيها لمستوى معتدل من الرفض والنبذ ممن يحيطون بهم.
ففي إطار الدراسة، قسمت طالبة الدكتوراه مايا كيِن أفراد عينة بحثها إلى مجموعتين؛ يعمل أفراد إحداهما نظرياً في مواقع وظيفية متدنية المستوى، بينما يشغل الآخرون - على نحو نظري كذلك - مناصب مرموقة، ثم أبلغت الجميع بأنهم غير مدعوين إلى حفلٍ مُقامٍ في مكان العمل.
وكشفت الدراسة عن أن من اختيروا لوظائف أقل مرتبة قالوا إنهم شعروا بإساءة وجرح جراء ذلك، بينما تبين أن من تم منحهم وظائف مرموقة، سعوا إلى البحث عن سبلٍ أخرى لتوطيد الأواصر مع الزملاء.
أكثر من مجرد "ترس" في العمل
أما على الجانب الآخر من الصورة، فإن استخدام مسميات وظيفية تعبر عن هيكل إداري مسطح أو أفقي - وهو ذاك الذي تقل فيه المستويات الإدارية الوسيطة بين الموظفين والمديرين، ما يعني إشراك العاملين بشكلٍ أكبر في عملية صنع القرار - يمكن أن يجعل من أظهروا في السابق التزاماً بأداء واجباتهم، يشعرون بأنهم أكثر فاعلية وأهمية.
وهنا يمكن استعراض تجربة بريان روبرتسون التي بدأها حينما أسس شركة "هوليكراسي-وان" للبرمجيات عام 2007. فقد أعاد الرجل حينذاك تنظيم الهرم الإداري التقليدي في مكان العمل، بهدف جعل العاملين لديه أكثر استقلالية وقدرة على إدارة أنفسهم بأنفسهم.
وبحسب روبرتسون، يوجد دورٌ كبيرٌ لـ"المسمى الوظيفي" في هذه المنظومة الإدارية، التي تُعرف باسم "هوليكراسي"، وتطبقها نحو ألف شركة ومؤسسة. ويشرح ذلك بالقول إنه في إطار تلك المنظومة، لا يحمل العامل مسمى وظيفياً واحداً، بل إنه يضطلع بأدوارٍ متعددة ومتنوعة في الشركة، وبالتالي يتم تحديث مسماه الوظيفي بشكل منتظم.
كندي يؤسس شركة في قبو منزله تحقق ملايين الدولارات
ويلائم هذا النظام أولئك الذين تمثل المكانة التي يشغلونها حافزاً ودافعاً لهم في العمل، ويبدو بمثابة ترتيبٍ مرضٍ لهم. أما بالنسبة للآخرين، فيجعلهم يشعرون بأن قيمتهم تتجاوز مجرد كونهم "ترساً في دولاب العمل".
ويقول روبرتسون في هذا الشأن إن منظومته هذه "تغير طريقة تفكير (العاملين) من شعار 'أنا أكتسب إحساسي بهويتي من المسمى الوظيفي الذي أحمله' إلى شعار 'أنا أشعر بهويتي بفعل إحساسي بطبيعة شخصيتي، والمشاعر والعواطف التي تعتمل في نفسي، وكذلك بفعل مدى قدرتي على التعبير عن نفسي بشكل خلاق'".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من رواد الأعمال