Author

شريان المدن وأكسجين العقار

|
خدمات البنية التحتية من كهرباء وماء ونظام صرف صحي وتصريف الأمطار والاتصالات تعتبر شريان الحياة للمدن وأكسجين العقارات, فلا يمكن تخيل أن يعيش مجموعة من البشر اليوم دون وجود هذه الخدمات أو على الأقل أهمها مثل الكهرباء والماء, ولذا فانقطاع أو تعطل أو انخفاض كفاءة هذه الخدمات تعد بمثابة خنق للمدينة أو المنطقة التي ستعاني كثيرا بسبب نقص أهم عناصر الحياة في المدن والتجمعات البشرية, ولذا يصدق القول إن هذه الخدمات تعد شريان الحياة للمدن وأكسجين العقارات التي تحويها, وحتى إن كانت المباني والمشاريع التطويرية من أفضل وأجود ما يمكن, فعدم وجود البنية التحتية يعني استحالة المعيشة في هذه المباني, ولذلك لابد من الاهتمام برفع كفاءة البنية التحتية واستيعابها للزيادات المطردة والنهضة العمرانية التي تشهدها بلادنا المباركة وبالأخص المدن الكبرى فعلى سبيل المثال سجلت عاصمة السعودية الرياض أحد أعلى نسب النمو السكاني للمدن على مستوى العالم خلال السنوات العشر المنصرمة بمعدل يقارب 6.5 في المائة سنويا, وهذا يعني طفرة سكانية تتبعها طفرة عمرانية تحتاج إلى بنية تحتية جيدة على المديين القريب والبعيد لاستيعابها, فعلى صعيد الطاقة الكهربائية ووفقا للمركز السعودي لكفاءة الطاقة فإن قطاع المباني بكل القطاعات السكنية والتجارية والحكومية يستهلك ما يقارب 75 في المائة من الطاقة الكهربائية المنتجة في المملكة العربية السعودية بمعدل نمو سنوي يصل إلى 7 في المائة, وقد أوضح المركز أن الارتفاع في استهلاك الطاقة يعود لأمرين وهما انخفاض كفاءة استهلاك الأجهزة الكهربائية للطاقة, والثاني عدم وجود عزل حراري في أغلب المباني, ومع أن ترشيد استهلاك الطاقة أمر مهم إلا أنه ليس الحل الوحيد مع هذه الزيادات المطردة والنمو الكبير في تعداد السكان والتوسع العمراني, بل لابد أن تكون هناك خطط طموحة وواعدة بضخ محطات طاقة كهربائية بشتى أنواعها سواء بالطريقة التقليدية أو بالطاقة المتجددة وكذلك رفع كفاءة إيصال المياه وتوسيع رقعة خدمات الصرف الصحي وتصريف الأمطار, لأن ضعف هذه البنية التحتية تقتل أي فرص للتوسع وجذب الاستثمارات المستقبلية التي تغطي الطلب المتزايد في المجال السكني والتجاري. وقد تابعت شخصيا مجموعة من مشاريع التطوير الشامل التي من الممكن أن تضخ آلاف الوحدات السكنية في المدن الكبرى ولكنها اصطدمت بطلب شركة الكهرباء مبالغ ضخمة تصل إلى مئات الملايين ليتم تزويدها بخدمة الطاقة الكهربائية, ولذا توقف كثير من هذه المشاريع المهمة التي نعاني بسبب ضعف إيصال البنية التحتية ومن أهمها الكهرباء إلى المشاريع الجديدة والواعدة, وبهذا فارتفاع تكاليف التطوير على المطور بهذه المبالغ الكبيرة يعني تحميلها المستهلك النهائي, وهذا ما يخالف الحاجة الملحة اليوم لخفض تكاليف السكن على المواطن قدر المستطاع, ومن خلال عملي في المجال العقاري وقفت أخيرا على أحد المشاريع الطموحة التي رغب المطور في إنشاء مجمع تجاري "مول" وفندق خمس نجوم بجواره وهذا المزيج من الاستخدامات يعتبر جذابا لما يحتويه من عناصر تخدم إحداها الآخر, وكان هذا المشروع المزمع إنشاؤه في مدينة أبها التي تعتبر مدينة سياحية وتستقطب العدد الكبير من السياح سنويا خاصة في موسم الصيف, ولكن مع الأسف تفتقر تماما لأي فندق بتصنيف خمس نجوم وهذه مشكلة كبيرة أن تكون وجهتك السياحية في المملكة لا يوجد فيها فندق بتصنيف جيد, لكن بدلا من تشجيع المطور لإضافة هذا الفندق إلى باكورة الخيارات المناسبة للسياح, تم إبلاغه بأن عليه دفع قرابة 120 مليون ريال لإيصال خدمة الكهرباء فقط لمشروعه, ما اضطر المطور إلى إلغاء فكرة الفندق والاكتفاء بالمجمع التجاري, وبهذا خسرت منطقة عسير ومدينة أبها السياحية فندقا بتصنيف خمس نجوم كان من الممكن أن يخدم المدينة ويوفر الوظائف ويرتقي بمستوى السياحة الداخلية ويوفر خيارات متنوعة لفئات مختلفة من السياح, وقس على هذا كثيرا من الإشكالات والعقبات التي تواجه أصحاب المشاريع الطموحة بسبب ضعف تدبير الشركات والجهات المعنية بتزويد المشاريع العقارية بالبنية التحتية. الخلاصة, التحدي اليوم في مدننا الكبرى على مستوى البنية التحتية كبير خاصة مع الرغبة في إنشاء مشاريع طموحة مثل أكثر من مليون وحدة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة على مستوى المملكة أو تفعيل مشاريع السياحة والترفيه الكبرى وزيادة عدد المعتمرين والحجاج, وأخشى أن يصطدم هذا كله بضعف الاستعداد على مستوى الخدمات الأساسية والبنية التحتية, وهذا ما سيجعل المستثمرين والمطورين يعيدون حساباتهم مئات المرات قبل خوض تجربة مريرة مع إحدى شركات الخدمات الأساسية حتى لا تضيع استثماراتهم سدى, ولذا فتفعيل ترشيد الطاقة وكذلك محاولة إيجاد مصادر أخرى للطاقة مثل الطاقة المتجددة أمر جيد لكن لابد من الاهتمام بالتحفيز المالي والفني لتبني هذه المبادرة وشحذ الهمم لتجربتها, وكذلك لابد من تجديد المباني القديمة وإضافة العزل الحراري لها من خلال دعم وتحفيز ملاكها بطرق متعددة من أهمها وضع تصنيف لكفاءة الطاقة لكل عقار.
إنشرها