كان واضحا أن القيادة القطرية طوال مهلة الأيام العشرة التي حددتها الدول الأربع لم تكن في وارد التجاوب مع المطالب، فالتصريحات والإعلام القطري كانا يمعنان في غواية المكابرة والمغالطة بالتملص مما سمعته من العالم كله عن دورها في التطرف والإرهاب، فضلا عما وضعته الدول الداعية لمكافحة الإرهاب نصب أعين هذه القيادة القطرية محددا بالأسماء والجهات.
وليست عبارة "المطالب صيغت لكي ترفض" التي ترددها القيادة القطرية ومنذ البداية إلا دليلا صارخا على النية المبيتة لإدارة الظهر، ليس للدول الأربع وإنما معها الشرعية الدولية، وليس طلب المهلة لـ "48" ساعة إلا مراوغة لاحتساب ذكاء مفقود عند هذه القيادة لكي توهم نفسها بأنها إنما تملي فيستجاب لها، غير مدركة أن حصافة دول البيان، منحت المهلة بمهابة التقدير لأمير الكويت من ناحية، وليقينها أن ما شاءت قيادة قطر تسجيله نقطة لمصلحتها هو في الواقع فضح فاقع لطيش وعجرفة.
ما تسرف به قيادة قطر على نفسها من لعب بنار غير قادرة على رؤية أخطارها الجسيمة يتعدى الرعونة ونزق المراهقة السياسية، فالرقص مع الشيطان وعقد الصفقة معه لتحقيق غرور الذات على طريقة مسرحية "فاوست" لمؤلفها جوته، أمر يحتمله الخيال الأدبي لكن واقع العقل وعقل الواقع برهن على مدى التاريخ، وفي كل المواقف أن الشيطان يقبض ثمن صفقته دائما كارثة، ولا سيما أن هذا هو المآل الذي ختم حتى عالم هذه المسرحية.
لماذا نقول هذا؟ نقوله لأن هذا التهافت للرقص مع الشيطان عمره 20 عاما أو تزيد.. كان فيها الأب الذي انقلب على أبيه حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم يتنافسان على الإثم والعدوان كارهين للسعودية وحانقين على الإمارات فحسب ولسنا وحدنا نحن من كنا على وعي بذلك وتجاوز عنه، بل جاء ذلك وصفا عينيا من مجلة معتبرة هي "الفورين بوليسي" في تقرير استخلص هذا الوصف من حقيقة ما يجري، فالأب ووزيره أرادا أن يوهما دول المجلس والعالم أيضا بأنهما لم يعد لهما دور في القيادة فيما كيدهما الشرير كان هو المثابر على إذكاء نار الفتن والدسائس والمؤامرات وفي ظنهما أنهما يمارسان القيادة من الخلف، وكان المضحك المبكي أن الجميع يعرف ذلك إلى درجة أنه يمكننا التأكيد على أنهما بالذات آخر من يعلم!!
المتذاكيان حمد المنقلب وحمد المتقلب أخذا معهما القيادة، فإذا اللاقيادة هي الاستراتيجية الذكية للقيادة القطرية، واللاقيادة تعني أن الشيطان يملي وقيادة اللا قيادة تمتثل دون أن تصغي لنصح أو ترى ما يدور حولها، فغرائزية الكراهية والحنق تعمي وتصم، ومن يدفع الثمن هو الشعب القطري الشقيق الذي تستخدم ثرواته لتوقد نيرانا حطبها الألوف من أشقائهم في العروبة أو في الإسلام أو في الإنسانية، فلم يترك المال القطري بلدا سواء في الخليج ولا في العراق وسورية ومصر ولبنان واليمن ولا في إفريقيا وأوروبا إلا كان ممولا لإرهابها.
ومع ذلك.. فهذا الحد المهول من التمرغ في العار، تظل القيادة القطرية في غيها مما لا يمكن إخفاؤه والتستر عليه وكأنه لم يكن قط، فيما أن جناية واحدة منه تستصرخ الضمير العالمي، لكن القيادة القطرية وصل بها الأمر حد الاستغباء للعالم بالتقدم بالشكوى إلى الأمم المتحدة بزعم "حصار" الدول الأربع لها لكنها ما أن فعلت حتى تلقت ردا قويا من الأمم المتحدة ومن منظمات أخرى لسان حالها: "يكفي.."، وإن تخابث عليها بـ "الطبطبة" المتطرفون والإرهابيون ودولتان بأحقاد تاريخية في الإقليم!!
وبالأمس سمع العالم رد القيادة القطرية المتوقع على مطالب الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب وكان سلبيا وفارغا من المضمون، لكن في المقابل سمع العالم أيضا بيان الدول الأربع من القاهرة وما ينم عنه من قدر كبير من الحكمة ووضعه في الحسبان مجموعة من الاعتبارات انطلاقا من ستة مبادئ أشار إليها البيان كانت تلخص الحيثيات التي كان على أساسها قطع العلاقات وبات يعرفها الجميع، وفي ضوئها أشار البيان إلى أن التحرك ضد قطر سيكون تحت مظلة القانون الدولي وبما يعني أن على الشرعية الدولية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذه القضية، فلم يعد ممكنا التسامح مع الدور التخريبي والخطير لهذه القيادة القطرية وما من سبيل سوى أن المقاطعة ستستمر إلى أن تعدل عن سياستها العدوانية الحاضنة والممولة للإرهاب وبما يشير إلى أن الدول الأربع تركت الباب مفتوحا إلى مزيد من الإجراءات التصعيدية، ليس بينها فقط التجميد لعضويتها في مجلس التعاون وإنما ربما إلى خطوات أبعد تتصل بروابطها في المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية وعلاقاتها التجارية.
بيان القاهرة كشف عن كفاءة في إدارة الأزمة من قبل الدول الأربع، كما كشف عن أن دولا كبرى بينها الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعي مسؤولية القيادة القطرية في دعمها للإرهاب وتمويله، وأنها كانت حريصة على أن تستجيب القيادة القطرية لضرورة الالتزام بالامتثال للمواثيق والقوانين الدولية المناهضة للإرهاب والمثابرة على تجريمه وعلى تجريم كل الأطراف المتورطة فيه ولا سيما إيران بأجندتها الراعية للإرهاب والمفضوحة في زعزعتها لأمن هذه المنطقة والعالم.
لقد قالت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب كلمتها بصوت عال في القاهرة، وكانت الحكمة هي المسار منذ اندلاع هذه الأزمة لعل القيادة القطرية يبلغها نورها فترى.. أو تحس بنبرتها فتصغي.. ولكن أصرت هذه القيادة القطرية على البرهنة على أنه "لا حياة لمن تنادي".. وهو إصرار باهظ الثمن نخشى عليها منه، فقد تجد نفسها في قبضة العدالة الدولية.. طالما أن الحكمة لم تجد نفعا معها.

