مكاسب القمم التي لم تُحكَ
كانت الأيام الماضية حافلة بالأخبار والتطورات، فقد شهدت الرياض أكبر تجمع لزعماء دول إسلامية عربية من جهة وأمريكية من جهة أخرى، ولعلنا نشبّه ما حدث باجتماع مصغر للأمم المتحدة وكحدث غير مسبوق أن يجتمع رئيس دولة غربية مع هذا العدد من الزعماء المسلمين ولعل هذا الحدث والتجمع يبرز مدى قوة السعودية واستعدادها لقيادة العالم الإسلامي ومقدرتها على إدارة حدث بهذا الحجم، لكن هنالك جانب آخر أثبت أهمية المملكة لكن من الجانب الاقتصادي وهو توافد وحضور عدد كبير من الرؤساء التنفيذيين لأكبر الشركات الأمريكية مع الوفد الضخم المرافق للرئيس ترمب، وقلما أن يوجد مثل هذا العدد من الرؤساء التنفيذيين كوفد مرافق لرئيس أمريكي، وهذا يعبر عن اهتمام غير عادي بالسعودية من قبل نجوم الاقتصاد والأعمال في العالم، ولم يكن وجودهم وحضورهم رغم مشاغلهم لمجرد قضاء وقت في السعودية وإنما لتوقيع اتفاقيات ضخمة وغير مسبوقة بين البلدين رغم حجم التجارة البينية بينهما الكبيرة في الأساس، لكن هذه الاتفاقيات ستؤسس لعهد جديد من الاستثمارات والتجارة البينية بين البلدين، وزيادة على ذلك، وكدلالة أعمق لنتائج هذه الاتفاقيات، فإن مصالح هذه الشركات العملاقة أصبحت قوية في السعودية ونحن نعلم أن الشركات الكبرى لها تأثير كبير وعميق في صنع السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالي تتجه سياسة أمريكا نحو الحفاظ على استثمارات هذه الشركات بشكل أو بآخر ورعاية مصالحهم، ومن ناحية أخرى، هذه الشركات لا يمكن أن تجازف بالاستثمار وتأسيس المشاريع في بلاد ترتفع فيها المخاطر ولذلك مجرد دخولهم بهذا الشكل وبهذه القوة والحجم سيعزز مستقبل المملكة كأفضل بيئة استثمارية خلال السنوات العشر المقبلة في حال استكمال البرامج التنفيذية لـ«الرؤية»، خصوصا برنامج التحول الوطني الذي يهدف إلى تخفيف البيروقراطية من الأجهزة الحكومية ورفع كفاءتها وتحسين الإجراءات لممارسة الأعمال. في نظري أن واحدا من أكبر المكاسب التي حصلت من هذه القمم بعد المكاسب السياسية هو قدرتنا على جذب هذه الشركات وإقناعها بالاستثمار في السعودية تحت شروط مناسبة ومتوافقة مع «الرؤية» ومنها على سبيل المثال تحقيق توطين بالوظائف القيادية، وتدريب ما لا يقل عن 30 في المائة من الموظفين السعوديين وتأهيلهم للوظائف القيادية لدى هذه الشركات، ونحن عندما نتكلم على وظائف قيادية في هذه الشركات العملاقة فإننا نحقق نقلة نوعية في القيادات السعودية المستقبلية، وزيادة على ذلك تم اشتراط تحقيق أحد الشرطين أو كلاهما وهما: إما تصنيع 30 في المائة من منتجاتها الموزعة محليا في المملكة وهذا يهدف إلى زيادة المحتوى المحلى وإما تخصيص 5 في المائة كحد أدنى من إجمالي "المبيعات" لتأسيس برامج بحثية وتطويرية، وتأسيس مركز موحد لدعم الخدمات اللوجستية والتوزيع وتقديم خدمات ما بعد البيع، إن موافقة هذه الشركات العملاقة على هذه الشروط تعني ثقتهم بمستقبل المملكة ووعيهم لمدى المكانة التي ستتجه إليها في المستقبل ومدى مراهنتهم على استثماراتهم. إنني أرى ملاح مستقبل الاقتصاد الجديد في السعودية بدأت في التشكل "مع العلم أنه من المبكر الحكم على ذلك" والذي يقوم على الاعتماد على القطاع الخاص وتخفيف تأثير الحكومة في الاقتصاد وتهيئة بيئة استثمارية " تقل فيها البيروقراطية الحكومية وتسهل ممارسة الأعمال، ومن الواضح أن هناك نموا مستقبليا أكثر من جيد (في حال سارت الأمور وتحققت هذه الاستثمارات) في الناتج المحلى غير النفطي وسينعكس وبشكل قوي وإيجابي على جميع الأطراف من مستثمرين ومستهلكين وموظفين وحكومة، لكن لن تظهر اليوم، وإنما في تصوري بعد سنتين (على الأقل) من الآن بمعنى بحلول عام 2020، لكن وكي تتحقق هذه الصورة تجب متابعة الاقتصاد من كثب "وكما تناولت في مقال سابق" تجب دراسة وقراءة المؤشرات الاقتصادية بشكل مستمر وربطها بالقرارات المنبثقة من البرامج التنفيذية لـ«الرؤية» والتدخل والتعديل عند انحراف الاقتصاد عن الاتجاه المستهدف ومراقبة قوة تحمل الاقتصاد للتكاليف الجديدة من مبادرات برنامج التوازن المالي، فكل قرار بارتفاع التكاليف له عدة آثار متسلسلة يجب قياسها بشكل حساس، فكل ما تعمله الحكومة من جذب للاستثمارات وتعزيز السعودية كأكبر وجهة اقتصادية واستثمارية في المستقبل قد يهتز ولا يتحقق بسبب قرارات تعرقل جاذبية الاستثمار من قبل جهات حكومية أخرى. في الختام لدينا في السعودية كل المقومات التي تساعد على رفع اقتصاد المملكة سواء كانت موارد مالية، موقعا استراتيجيا عظيما يعزز دور المملكة في التجارة الدولية، موارد طبيعية هائلة أو مجتمعا شابا يساعد أي مستثمر في المراهنة عليه وغيرها من المقومات الكثيرة التي لو وظفت بشكل سليم لرفعت من اقتصاد المملكة ونما ناتجها المحلى بشكل لا يمكن أن نتصوره اليوم، نعم «الرؤية» ترتكز على كل هذه المقومات وتراهن عليها كذلك، لكن الخطط السليمة هي التي في النهاية تقودنا نحو تحقيق «الرؤية» في الوقت المستهدف ـــ بإذن الله.