Author

في إيرادات رسوم الأراضي

|
توقع بعض كتاب المقالات أن تجني الدولة إيرادات ضخمة من رسوم الأراضي البيضاء، ووصلت بعض التقديرات الجزافية إلى مئات المليارات من الريالات. طبعا الإخوة الذين توقعوا مثل هذا المستوى من الإيرادات، لم يتطرقوا لمصاعب وتكاليف وآثار جمع مبالغ خيالية من أي جهة، سواء كانوا ملاك أراض أو غيرهم على الاقتصاد الوطني، حيث سيقود فرض ضرائب أو رسوم ضخمة على نطاق واسع، أو زيادتها بشكل قوي إلى رفع العبء الضريبي وبطريقة مفاجئة إلى مستويات مكبلة للاقتصاد المحلي في القطاع غير النفطي لفترة زمنية ليست بالقصيرة. وتأتي معظم دخول وأرباح العاملين والشركات من أنشطة القطاع غير النفطي، وفرض أي ضريبة أو رسم سيخفض دخول وأرباح العاملين والشركات ويرفع تكاليف الإنتاج في القطاع غير النفطي، ما سيخفض من قدرة المنتجين المحليين على المنافسة مع العالم الخارجي. وسيقوى تأثير الضرائب والرسوم السلبي مع تنامي قيمتها ومدى انتشارها في الاقتصاد. أخذ قرار فرض رسوم الأراضي وقتا لا بأس به بين النقاش والدراسة والإقرار والتفعيل. وقد واجهت الجهات المعنية بتقدير وجمع الرسوم تحديات كبيرة في جمع المعلومات الضرورية لفرض الرسوم، سواء بتحديد الأراضي، أو الملاك، أو تحديد قيمها، والإعفاءات الممنوحة بموجب قرارات تفعيل الرسوم. على العموم يتأثر حجم رسوم إيرادات أي ضريبة أو رسم بعدة عوامل أساسية، أهمها القاعدة الضريبية، ومعدل الضريبة، وتكاليف جمعها، وتقييم الأصول والدخول المفروضة عليها الضريبة، وحجم الإعفاءات الضريبية، ومدى القدرة على جمع الضريبة والالتزام بها. وقد أدى تحديد المدن الرئيسة والتدرج في تطبيقها وكذلك تعريف الأراضي البيضاء الخاضعة لرسوم الأراضي إلى تصغير حجم القاعدة الضريبية بوجه عام في مدن المملكة الرئيسة. ويظهر هذا جليا في مدينة الرياض وهي أكبر وأول المدن المفروضة فيها الرسوم، حيث تشير مصادر وزارة الإسكان إلى أن مساحة الأراضي الخاضعة للرسوم ستبلغ نحو 128 كيلومترا مربعا، وهذه المساحة جزء بسيط من الأراضي غير المستغلة أو المطورة في العاصمة. ومن المتوقع أن يتبع تحديد الأراضي الخاضعة للرسوم المنوال نفسه في المدن الأخرى. أما فيما يتعلق بنسبة الرسوم فهي مرتفعة نسبيا مقارنة بالضرائب العقارية في دول العالم، حيث تقل في معظم الدول عن 2 في المائة من قيمة العقار، بينما تبلغ في المملكة 2.5 في المائة. ولكن هذه النسبة تتأثر كثيرا بالإعفاءات الممنوحة للأراضي الخاضعة للرسوم التي قد تصل إلى نحو 90 في المائة من قيمتها، ما يعني خفضا فعليا لنسبة الرسوم على الأراضي الخاضعة لها، ما سيخفض فاعليتها. أما بالنسبة لتقييم أسعار الأراضي البيضاء فهو يلعب دورا مهما في تحديد إجمالي إيراداتها. وتشير مصادر التواصل الاجتماعي،إذا صحت، إلى تدني تسعير الأراضي الخاضعة للضريبة بمعدلات تزيد على نصف الأسعار السوقية. وإذا كان هذا حقيقيا فإن مؤيدي فرض الرسوم يرونه نوعا من أنواع التراخي في فرض الضريبة، وأنه قد يعود إلى حجم التأثير والقوة الذي يتمتع به ملاك الأراضي. من ناحية أخرى يرى المؤيدون للتقييم المنخفض أنه عائد إلى رغبة الجهات المختصة في الابتعاد قدر الإمكان عن المبالغة في أسعار الأراضي وتجنب إلحاق الضرر بالملاك، أو الخوف من تراجع أسعارها بقوة بعد تفعيل الرسوم. ولتقدير إجمالي إيرادات الرسوم لا بد من تحديد متوسط معين لأسعار الأراضي الخاضعة لها. وتشير مصادر التواصل الاجتماعي إلى أن متوسط أسعار الأراضي الخام يقل عن ألف ريال حتى في أفضل المواقع، ولهذا لو افترضنا أن متوسط تقييم وزارة الإسكان لأسعار الأراضي البيضاء في مدينة الرياض يراوح ما بين 500 و 700 ريـال للمتر المربع، فإن هذا لن يكون بعيدا عن الواقع. وفي حالة صحة هذا الافتراض فإن إجمالي قيمة الأراضي البيضاء الخاضعة للرسوم سيراوح ما بين 64 و89.6 مليار ريـال. ونظرا لوجود عديد من الإعفاءات والاستثناءات التي لن تقل عن 25 في المائة بوجه عام، فإن هذا سيخفض القيمة الضريبية إلى ما بين 48 و67.2 مليار ريـال. وفي حالة صحة هذا الافتراضات ووجود التزام وتفعيل للرسوم على جميع الخاضعين لها، فإن إيرادات رسوم الأراضي في مدينة الرياض ستراوح ما بين 1.2 و1.7 مليار ريـال. وأعتقد أن إيرادات رسوم الأراضي في مدينتي جدة والدمام لن تكون أعلى من مدينة الرياض، ولهذا فمن المتوقع ألا يتجاوز إجمالي إيرادات رسوم الأراضي البيضاء السنوية في المدن الثلاث خمسة مليارات ريـال.
إنشرها