Author

جولة الملك .. رسائل للاستقرار والأمن العالميين

|
يراقب العالم، كما نفعل، جولة الملك سلمان بن عبدالعزيز الآسيوية. وتنشر وسائل الإعلام أخبارها وتوقعاتها حول هذه الجولة الطويلة عميقة المضمون، في وقت ومرحلة عجت برياح صعبة من التعثرات السياسية والحروب والإخفاقات الاقتصادية وصعود قوى القومية والشعبوية في المنطقة والعالم. وهي في مجملها تشكل المجال العالمي الواسع. وهي فصول تاريخية لها تبعاتها الجيوسياسية أيضا على المنطقة وعلى العالم. إلا أنه وفي خضم هذا المشهد الداكن، جاءت جولة الملك سلمان برسائل جديدة مباشرة وغير مباشرة حول مفهوم الاستقرار والأمن العالميين. يتمثل ذلك من خلال صرف الأنظار إلى مشاريع العمل والبناء والسلام والاستقرار، بشعار الدبلوماسية الاقتصادية. ما ينعكس إيجابا على حركة التجارة والاستثمار والأسواق العالمية، ذلك الذي يبدأ من الدول إلى الشعوب التي تتأثر بعلاقات السلم والبناء والتنمية والعلاقات الدبلوماسية الوطيدة بين الدول. فالعالم مجموعات بشرية تؤثر وتتأثر بدور حكوماتها ودولها ونهضتها وأمنها الاقتصادي. ولا شك أن دور السعودية في الاستقرار والأمن العالميين دور رئيس في مجالات عدة منها محاربة الإرهاب والمحافظة على أمن الطاقة، لضمان استقرار الأسواق العالمية، ولا سيما أن العالم يعيش مناخا سياسيا واقتصاديا يكتنفه بعض الغموض. كل ذلك إضافة إلى نفوذها السياسي القوي كعمود من أعمدة الاستقرار الإقليمي والعالمي، باعترافات دولية صريحة. وإن كان مشروع الحرب على الإرهاب مشروعا تكتيكيا وليس خطة استراتيجية، لكنه مدخل إلى تحالفات استراتيجية تجمع القوى العالمية على نطاق أوسع، ولا سيما أن الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية تواجه مصيرا غير واضح تماما. وبلا شك لا يمكن تحقيق السلام والتنمية من دون إدارة متناغمة لهذا العالم. ودلالات هذه الجولة الملكية قوية، فهي ترسل إشارات استقرار من حيث جهود السعودية الداخلية للتنمية والتغيير على مستويات عدة، ومن حيث جهودها الدولية للعلاقات الثنائية الوطيدة التي تقوم أساسا على التنمية الاقتصادية، وهي المفتاح الأول. وفي مشهد مواز للجولة الملكية الآسيوية، وفي الفترة الزمنية نفسها، يجتمع ولي ولي العهد محمد بن سلمان بالإدارة الأمريكية في واشنطن لبحث ملفات مشتركة. وهذا في حد ذاته عامل قوة عميق للمشهد الحيوي الدرامي هذا. وهي في مجملها انطلاقات عظيمة نتطلع منها ومن جديد لنجاحات مرتقبة، بعد مرحلة تحديات مرت بها العلاقات السعودية الأمريكية في عهد الإدارة السابقة، خاصة في ظل تشابه توجهات إدارة ترمب وتوجهات السعودية على مستويات رئيسة سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وتبقى للسعودية نقاط قوة إضافية تميزها عن بقية الدول. ولعقود طويلة، كانت السياسية الخارجية السعودية ذات طابع ثابت، إلا أن مستجدات المرحلة تطلبت بعض التغيير. تضمن هذا التغيير تأسيس تحالفات عسكرية للحرب على الإرهاب، ليتحول الأمر من تكتيك مواجهة إلى استراتيجية تحالف وقوة أعمق. وللسعودية عوامل قوة جاذبة في أغلب المجالات التي يمكن لدولة أن تتخذها موطن قوة، وهذا يتجاوز مسألة النفط فقط، الذي هو أيضا استقرار للأسواق العالمية بالإمداد الثابت والمستمر. من ذلك رمزية استمرار العلاقة السعودية - اليابانية العريقة التي قامت على إمداد السعودية اليابان بالنفط، منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ما أسهم في قيام نهضة اليابان الاقتصادية سريعا. ولا شك أن نظرة فاحصة ومتجددة على انعكاسات الزيارة الملكية على المشهدين الاقتصادي والسياسي كفيلة بتقييم ذلك التأثير العميق.
إنشرها