Author

مع الأمير وخلف الجبال

|

كان شرفا لي كما هو مدعاة للفخر أن أكون قبل يومين في الحفل الختامي للتمرين التعبوي الثاني "وطن 87" الذي أشرف عليه ورعاه الأمير محمد بن نايف نائب خادم الحرمين الشريفين، ولي العهد وزير الداخلية. ولموقع التمرين ولا شك رمزية وأهمية كبيرة، كيف لا وهو في مدينة رسول الله وثاني الحرمين الشريفين، لاسيما وقد تعرضت المدينة العام الماضي لمحاولة داعشية إرهابية فاشلة كانت تستهدف المسجد النبوي. وقد وصلتُ إلى موقع التمرين الضخم الذي يحيطه العسكر ببزاتهم العسكرية المختلفة وأسلحتهم المتنوعة، الذي تعلوه لوحة ضخمة كتب عليها "مركز محمد بن نايف للعمليات الخاصة والتطبيقات المتقدمة بالمدينة المنورة". كان الطريق إلى الداخل يعج بالمعدات من طائرات هيلكوبتر، ومهابط لطائرات الأمن، وسيارات خاصة، وميدان خاص للرماية، ومنطقة خاصة بالعمليات تم إعدادها كقرية هيكلية لكل التدريبات، ومهاجع للضباط والعسكر، وجنود يذرعون الميدان بآلياتهم العسكرية، بعضهم يسير مدججا بشكل مثير بخطوات تضرب الأرض بقوة وحيوية وقد زين كتفه باللون الأسود اسم "الصاعقة". وقد قيل لي قد يأتي ولي العهد على طائرة هيلكوبتر خاصة لموقع المركز، هو المركز الذي لكي يؤسس تم له شق الجبال وتعبيد الطرق بمساحة إجمالية تقدر بـ75 ألف متر مربع. وقد تم تدشينه رسميا من قبل الأمير في اليوم نفسه لينضم إلى مراكز أخرى في أنحاء البلاد.
أن يتحول مشهد التدريب التطبيقي من فيديو أشاهده افتراضيا إلى مسرح واقعي أمام مرأى العين كان أمرا مثيرا بالنسبة لي، وهو مشهد تمنيت حضوره منذ زمن، مثير لأن أداء القوات السعودية فريد بصورة درامية، وأكاد أتلمس الفروق بين تمرينات ومناورات شهدتها عدة مرات أخيرا خلال السنوات الماضية لقوات مختلفة مثل الأمريكية والبريطانية والفرنسية والأسترالية. وهناك ثمة فرق ليست له علاقة فقط بالأداء أيا كان مجاله، بل بذلك الإخلاص العميق تجاه المهمة وتجاه القائد أيضا حيث القوات معجونون بالمهمات عاطفيا وليس مجرد أداء جاف. وهذا لا يتكرر بسهولة، وهو أيضا ما يكسبها الصورة الدرامية الرفيعة في الأداء والإنجاز والتطبيق الذي يعكسه اهتمام محمد بن نايف الدائم بالعنصر البشري. وما يمكن لمسه عن قرب ذلك التناغم والولاء المتجذر والحوار الصامت بين القوات وقائدهم الأمير محمد بن نايف والعكس بين القائد وقواته، حين تقرأ على وجه القائد الانفعالات والتفاعل فيرفع يده باعتزاز لإلقاء التحية لهم مع كل تمرين. وهي علاقة عميقة يمكن لمسها في التفاصيل والملامح واستشعارها في الرسائل غير المرئية.
وقد تضمن حفل الختام خمس تجارب افتراضية أساسية تحاكي سيناريوهات محتملة يمكن أن تلجأ لها الجماعات الإرهابية مثل تفجيرات ونيران حية وإطلاق رصاص، مع مواجهتها بالتحليق بالطائرات في مواقع صعبة مثل مواجهة الحوثيين في الطبيعة الجبلية. تلك الجبال الضخمة التي شكلت مشهدا حيا وواقعيا أمامنا على مسرح التمرين لتشرح التعاطي مع التهديدات من قبل قوات حرس الحدود في الخطوط الأمامية، بإسناد من طيران الأمن الذي يلعب دورا حيويا في مهام الاستطلاع لمواقع الخطر أو في الإسناد الناري للقوات الأرضية واستهداف مواقع العدو. وكانت تفاصيل دقيقة تلك التي شهدناها كإحباط مخطط إرهابي لمصنع بتروكيماويات تضمن عربات مجهزة لتطهير الموقع من أي تلوث كيميائي، وهجوم مسلح على مجمع سكني واختطاف رهائن، ومواجهة أعمال شغب وهجوم مسلح في أحد السجون، وصد هجوم مسلح على حي دبلوماسي، ومداهمة مزرعة في منطقة حدودية يتحصن بها إرهابيون واعتداءات على مركز حدودي. كل هذه التمرينات توضح كيف رفعت أجهزة وزارة الداخلية استعداداتها عاليا لتعزيز مستوى التنسيق والتكامل والتناغم بين أجهزتها، وهو إنجاز لا شك ترفع له القبعات وتنحني له الرؤوس.

إنشرها