Author

السعودية التي ينبغي أن تكون

|

سئلت إعلاميا قبل سنوات والمنطقة تمر بموجة مجنونة من الثورات والفوضى: هل التطوير ــــ الاجتماعي ــــ في السعودية يمكن أن يكون بيد الشعب أم بيد الحكومة؟ قلت: بل بيد الحكومة، فيما اعتقد البعض أنه بيد الشعب. كان الكثيرون منبهرين بما يحدث في المنطقة من قدرة الشباب على التغيير السياسي. لكنها كانت حالة غير قابلة للتطبيق في مجتمعات غير مؤهلة تماما لذلك. أستذكر ذلك وأنا أرى حراك وقدرة الحكومة السعودية على تبني التطوير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وهو عمل عظيم يوضح أهمية القيادة في إعداد وتطبيق مهمة ثقيلة في مرحلة مفصلية يتطلب من المملكة تماهيا بين دورها القيادي. وهي مرحلة لا يمكن الوقوف فيها ولا التراجع. وهي مرحلة لا تخصنا وحدنا فقط، فالمملكة لها تأثيرها الدولي. ويمكن ملاحظة حجم التغير في الأخبار التي تبث عن المملكة من أخبار ناقدة إلى الأوضاع الاجتماعية، إلى أخبار مترقبة أكثر تستخدم فيها كلمة "التغيير".
ولا شك أن فلسفة التغيير هذه تتباين بين مجتمع وآخر، بحسب طبيعة ثقافة ذلك المجتمع. كما أن مسألة التقدم مسألة نسبية ومتبدلة بحسب الزمان والظروف. الأمر نفسه بالنسبة للفرق بين النمو والتنمية مع مفهومي التطوير والتغيير. والتغيير الثقافي في المجتمعات أيضا جزء من التغيير الاجتماعي، وهذا ما يحدث في السعودية، حيث يقوم الانفتاح بدور محوري في التغير الاجتماعي والثقافي. فالتطور التكنولوجي دائما ما يترافق والتغير الاجتماعي، حين تبدأ الحضارة المادية بالتسرب إلى المجتمعات، تليها القيم اللامادية باعتبار ذلك سنة كونية. ويلعب الفكر دورا رئيسا في التغيير الجذري للمجتمعات عامة. لكن الأهم في ذلك هو وجود قائد سياسي وثقافي للدفع بعملية التنمية قدما. وهذا ما يحدث، فالقائد السياسي يقوم بصنع القرار، بينما الثقافي والمفكر - برفقة السياسي عامة - يقوم بهندسة الأفكار والمجتمع من خلال الأفكار. قد يكون ذلك من خلال أفراد أو من خلال مؤسسات تقوم بأدوارها الحضارية. وهذا ما يظهر في مفهوم الدولة الحديثة لدى الدول المتقدمة، حيث يقوم المفكرون بتهيئة المسرح الاجتماعي للسياسي صانع القرار لاتخاذ القرارات الملحة للتطوير. وقد يخطئ البعض في المبالغة في دور الشعوب في التغيير دون وجود سياسي جيد يعي اقتناص الفرص ولا سيما في مجتمعات لديها ظروفها الاستثنائية. وإن كان للاقتصاد بطبيعة الحال دوره الكبير في عملية التغيير الاجتماعي، وهو التغيير الذي يحدث غالبا تراكميا جراء التحديثات المستمرة في عملية التنمية.
والحقيقة أنه لم تعد للسعودية تلك الأدوار القيادية من ناحية سياسية واقتصادية ودينية بالنسبة للعالم الإسلامي فقط، بل هي أيضا قائد ثقافي وفكري وإعلامي، من خلالها كدولة ومن خلالها كمجتمع، ولا سيما في زمن تراجعت فيه الدول العربية التي تصدرت الأدوار الثقافية والإعلامية في زمن سابق. ولا شك أن التغيير الاجتماعي في المملكة هو الجزء الأكثر محورية وحيوية من عملية الانتقال بمشروع التحول الاقتصادي، رغم الأصوات المعارضة لأبسط أشكال التغيير، لكنها تبقى أصواتا صغيرة في مقابل مجتمع يتطلع بعطش إلى السعودية التي ينبغي أن تكون.

إنشرها