default Author

اختلاف الثقافات وأثره في فريق العمل

|

خلال حصة تدريسية لصف من طلاب برنامج إدارة الأعمال التنفيذية في كلية إنسياد، قمت بتوزيع مهمة عمل دراسية على مجموعات صغيرة من الحضور، وكانت إحدى المجموعات تتكون من طالب بريطاني وآخر ألماني، إضافة إلى طالب أمريكي وآخر صيني. وكان على المجموعات الانتهاء من المهمة ومناقشتها وتحضير أجوبة لأربعة أسئلة محددة خلال عشرين دقيقة فقط.
بدأ الطالب الصيني واسمه مايل شين جلسة النقاش، وتحدث عن نقاط مثيرة للاهتمام عن مهمة الدراسة وعن قطاع الهواتف المحمولة بشكل عام، وناقش تأثير تطور القطاع في عديد من الدول الواردة في الدراسة، لكن على الرغم من أهمية الملاحظات التي طرحها، إلا أنه لم يقدم أي إجابات عن السؤال الأول.
وبعد عدة دقائق، بدأ صبر زملاء شين في فريق العمل في النفاد، حيث قاطعه الطالب البريطاني ستيف وقال، "إن المعطيات التي قدمتها مهمة جدا، لكن بقي لدينا 15 دقيقة فقط لمناقشة الأسئلة الأربعة، وأعتقد أن جواب السؤال الأول سيوجد في الصفحة رقم 3 في الفقرة الرابعة والسطر الثاني" وبادر بقراءة الجملة المحددة باعتبارها تجيب عن السؤال الأول ومن ثم انتقل إلى السؤال التالي.
وبعد انتهاء الحصة الدراسية، قال لي ستيف، إنه تعرض لهذا الموقف عدة مرات عند العمل ضمن فريق يتكون من طالب صيني، حيث يبادر الصيني دائما بالحديث عدة دقائق عن الظروف المحيطة بالمشروع قيد النقاش قبل الوصول إلى لب الموضوع، مشيرا إلى أن ذلك يسبب له الإحباط، فهو يريد البدء بالإجابة عن الأسئلة فورا.
تعكس هذه الواقعة التباين الثقافي بين الغرب والشرق، بالطبع تختلف ثقافة كل بلد آسيوي لوحدها وكذلك الأمر بالنسبة للدول الغربية. لكن بالرغم من ذلك، يمكن اعتماد هذا التباين كوسيلة لفهم أنماط التفكير الخاصة بكل من البريطاني ستيف والصيني شين.
في دراسة أجراها الأستاذان ريتشارد نيسبت وتاكيهو ماسودا، تم عرض مقطع فيديو مصور تحت الماء أمام مشاركين من اليابان والولايات المتحدة، وطلب منهم إبداء الرأي فيما تم عرضه عليهم.
تحدث الأمريكيون عما شاهدوه من أشياء سريعة الحركة وذات ألوان زاهية التي تصدرت المشهد على غرار السمكة الذهبية، فيما تحدث اليابانيون أكثر عما كان يحدث في المناطق الخلفية للمشهد على غرار الضفدع الصغير في الزاوية اليسارية، كما أشاروا أكثر بمرتين من الأمريكيين إلى ما كان يحدث في المشهد بين الأشياء الموجودة في المقدمة وتلك الموجودة في المناطق الخلفية. وفي دراسة أخرى، طلب من مشاركين أمريكيين ويابانيين التقاط صور لشخص ما، والتقط الأمريكيون صورا تركز بقرب على الشخص الذي يتم تصويره وإظهار جميع ملامح وجهه، فيما أظهرت صور اليابانيين صور الشخص مع المحيط من حوله وبالتالي كان حجم الشخص في الصور صغيرا جدا.
ركز الأمريكيون على العناصر الفردية بمعزل عن محيطها، فيما أعطى اليابانيون انتباها أكبر لخلفية المشهد والبيئة المحيطة وربطوا بينها وبين العناصر الرئيسة في المشهد.
برزت هذه التوجهات من خلال المقابلات التي أجريتها مع مديرين لفرق متعددة الثقافات، ففيما تتبع أوروبا الشمالية والأنجلو سكسونية النمط الأمريكي في التفكير، فإن شرق آسيا يشبه نمط تفكير اليابانيين الذي أظهرته تجربة نيسبت وماسودا.
يمكن في الفلسفة الغربية انتزاع الغرض قيد الدراسة من محيطه وبيئته ودراسته بشكل منعزل، وهو ما يسمى التفكير المحدد.
بينما تركز الفلسفة الصينية في الجانب المقابل على الروابط والعلاقات، حيث اعتمد الصينيون القدماء على التفكير الشمولي، حيث تأتي الأفعال ضمن حقول من القوى المؤثرة عليها، فمفهوم "ينج" و"يانج" أي الظلام والنور يشرح استقلالية القوى للأضداد. وبعد مناقشة تلك الدراسات قال لي أحد الطلاب الصينيين، "يفكر الصينيون من المجمل إلى التفصيل، بينما يفكر الغربيون من التفصيل إلى المجمل، فعلى سبيل المثال، ولدى كتابة العناوين، يكتب الصينيون بالترتيب اسم المقاطعة فالمدينة فالحي فرقم المبنى والشقة، فيما يكتب الغربيون بطريقة معاكسة تماما، وكذلك يكتب الصينيون الاسم الأول أولا ومن ثم اسم العائلة لكن الغرب يكتب الأسماء بطريقة معاكسة، كما أن الصينيين يكتبون السنة قبل الشهر واليوم على عكس الأوروبيين".
تؤثر طرق التفكير هذه على الطريقة التي يرى الناس بعضهم بعضا من خلالها، وكما قال لي "باي باك" من شركة "كيا" الكورية، "عند العمل مع زملائنا الغربيين، نفاجأ بأنهم يتخذون القرارات دون النظر إلى تأثيراتها على وحدات العمل الأخرى في الشركة وعلى العملاء والموردين".
من جانبه قال المدير "البولونيجايك ماليكي"، "خلال أول رحلة لي للقاء فريق عمل الشركة في اليابان، قمت باستدعاء كل منهم إلى المكتب على حدة لشرح وتحديد مهام وواجبات كل شخص، ولاحظت أنهم طرحوا كثيرا من الأسئلة الظرفية، ولم يوضح أحد لي أن هذه المقاربة لا تناسب المجتمع الياباني".
لاحظ "ماليكي" لاحقا أن فريق العمل قضى وقتا طويلا في التباحث بين بعضهم بعضا حول المهام التي أوكلت لكل منهم لتحديد كيفية التقاء جميع مهام أفراد الفريق لتكوين الصور الأكثر شمولية للمهام، ولم تكن محصلة الأداء جيدة بالشكل المطلوب وفق التفاصيل التي قام المدير البولوني بتحديدها.
في الثقافات التي تعتمد التفكير المحدد، عادة ما يتجاوب الناس مع تلقي تعليمات مفصلة ومنفصلة لكل منهم حول المهمة الموكلة لهم، وفي حال أردت إعطاء تعليمات لموظف من هذه الثقافة، يجب التركيز على ما يجب عليه فعله ومتى، أما إذا أردت تحفيز أو إدارة أو إقناع شخص ذي ثقافة شمولية، عليك قضاء بعض الوقت في الشرح له عن الصورة الكبرى للمهمة وكيفية الجمع بين تفاصيل مهام أعضاء الفريق.
أما في حال إدارة فريق يتكون من عدة جنسيات، فقد يتسبب التباين الثقافي في إرباك العمل أو الحد من الفعالية، لكن من الضروري إدراك أنه كلما تنوع فريق العمل ازدادت فرص الابتكار والإبداع في العمل، لذا يجب على المدير رصد التباين في طرق التفكير والسلوك بين ثقافات الفريق وتحديد فوائد التفكير المحدد والشمولي ليتمكن من تحويل الاختلافات الثقافية إلى ميزة تنافسية لفريق العمل.

إنشرها